🆕 جديد الموقع

📰 الشيخ سيد محمد القادري

📁 القسم: شيوخ الطريقة القادرية
✍️ الكاتب: مخلف العلي القادري
📅 التاريخ: 2025-07-04
👁️ عدد المشاهدات: 1831

الشيخ سيد محمد القادري الحسيني

ومن أبرز مشايخ الطريقة القادرية البريفكانية العلية، العارف بالله سيدي وشيخي السيد الشريف الشيخ سيد محمد القادري الحسيني شيخ الطريقة القادرية العلية ونقيب السادة الأشراف في سورية، ابن العارف بالله الولي الكبير السيد الشريف الشيخ أحمد الأخضر القادري الحسيني، وقد ذكر نسبه في ترجمته جده، ووالدته هي السيدة أم كلثوم ابنة العارف بالله الشيخ محمد الكالي القادري الحسيني، وقد سبقت ترجمته، قدست أسرارهم ونفعنا الله ببركاتهم.

ولد سيدي الشيخ سيد محمد قدس سره، سنة (1337هـ-1919م)، في مدينة دارا وهي من أعمال ولاية ماردين، ونشأ وقضى طفولته فيها في ظل هذه الأسرة الكريمة، تحت رعاية والده قدس سره، وفي عام (1923م)، هاجرت أسرته إلى سورية واستقرت في مدينة عامودا، كما بينا سابقاً.

وفي هذه البلدة المحروسة كانت نشأة الشيخ، وبدأ بتلقي العلم الشريف على يد شيخين فاضلين هما: الملا عبد الحليم إسماعيل، والملا محمد عبد اللطيف، تلاميذ الملا عبيد الله الهيزاني وأخذ عنهما الفقه الحنفي والفقه الشافعي وغيرها من العلوم، كما كان يتلقى التصوف والسلوك وعلوم القوم والطريقة على يد والده.

وقد أخذه والده بالشدة والمجاهدة والخلوات والرياضات، فكان نعم الطالب اللبيب، والسالك النجيب، الذي لم يوفر جهداً في نيل العلم والسلوك من والده، وقد دامت صحبته لوالده خمساً وثلاثين سنة، فكان لهذه الصحبة أثراً كبيراً في نفسه، وعادت عليه بالخير الكثير، الذي ظهر أثره فيما بعد. 

وفي نهاية الثلاثينيات من القرن العشرين هاجر والده الشيخ أحمد القادري من مدينة عامودا إلى دمشق، وسكن في منطقة الكلاسة القريبة من الجامع الأموي، حيث اشترى والده منزلاً لهم استقروا فيه، فكانت هذه الهجرة بداية لمرحلة جديدة من حياة الشيخ سيد محمد قدس سره، وفاتحة خير لنيل العلوم والمعارف، حيث كانت دمشق ومازالت كعبة للعلوم يقصدها الطلاب والعلماء من كافة البلاد الإسلامية والعربية.

وفي دمشق التقى الشيخ سيد محمد بأكابر العلماء والمشايخ، وقد حثه والده على مجالسة العلماء والتلقي عنهم، واغتنام إقامته في دمشق بطلب العلم وتحصيل المعارف، فالتحق بمجالس كبار علماء دمشق في ذلك الوقت ومن أهمهم: محدث الديار الشامية ومسند الدنيا الشيخ بدر الدين الحسني، وشيخ الطريقة الشاذلية العارف بالله الشيخ محمد الهاشمي التلمساني، والشيخ أحمد الحارون، والشيخ ملا رمضان البوطي، والشيخ محمد صالح الفرفور، والشيخ أمين كفتارو، والشيخ محمود الشقفة، والشيخ محمد الحامد عالم حماة، والشيخ محمد النبهان، والشيخ محمد صدقة المكي المدني، والشيخ محمد فريز الكيلاني، والشيخ محمد العربي العزوزي مفتي الديار اللبنانية، والشيخ محمد مكي الكتاني، رحمهم الله تعالى.

أما الطريقة القادرية العلية: فقد تلقى الشيخ سيد محمد الطريقة القادرية وتعاليمها وتلقن أورادها وأذكارها منذ الصغر علي يد والده الشيخ أحمد القادري قدس سره العزيز، وكان ملازماً له ملازمة كاملة حتى وفاته، وصحبه في جميع أسفاره إلى الحجاز والعراق وتركيا وغيرها من البلاد، فانتفع منه انتفاعاً كبيراً، وكان خليفته على الطريقة القادرية من بعده.

وكانت خلافته منه بالطريقة القادرية العلية في سنة (1356هـ-1937م)، وكانت خلافته بأمر من سيدنا الشيخ عبد القادر الجيلاني قدس الله سره العالي، ولما جاءت الإشارة بذلك عزم الشيخ أحمد القادري على السفر لزيارة الحضرة القادرية المشرفة، بصحبة الشيخ سيد محمد، قاصداً إجازته في رحابها، ولما وصلوا لبغداد ونزلوا في حضرة الشيخ عبد القادر الجيلاني قدس سره العالي، جاءه الأمر بأن يتوجه إلى قرية بريفكان، حيث مقام القطب الرباني الجيلاني الثاني الشيخ نور الدين البريفكاني قدس سره العزيز، وأن تكون الإجازة للشيخ سيد محمد هناك، فأتموا الزيارة في الحضرة القادرية ثم توجها إلى بريفكان، ونزلوا في رحاب القطب البريفكاني رضي الله عنه، وتم تسليم الشيخ سيد محمد خلافته وإجازته، وكان ذلك بحضور العارف بالله الشيخ عبيد الله البريفكاني نجل الشيخ نور محمد البريفكاني قدست أسرارهم العلية ونفعنا الله تعالى ببركتهم.

تصدره للدعوة والإرشاد: لقد تشرف الشيخ سيد محمد بالخلافة والإجازة من يد والده الشيخ أحمد، ولكنه لم يتصدر للدعوة والإرشاد في حياة والده، بل كان يتولى الخدمة للمريدين والتكية تحت رعاية والده.

وفي عام: (1954م)، انتقل والده إلى الرفيق الأعلى، فتصدر لمشيخة الطريقة القادرية العلية، وتولى شؤون التكية القادرية في عامودا، وجلس في مجلس والده شيخاً ومرشداً للطريقة، فكان خير خلف وخليفة لوالده قدس سرهما.

وبدأ الشيخ قدس سره بنشر الطريقة القادرية في محافظة الحسكة، وفي العاصمة دمشق وفي سائر المدن والمحافظات، وقام بتربية المريدين وتسليكهم كما كان والده وسار على نفس منهجه.

وكان قدس سره شديداً بالسلوك والتربية والإرشاد، فلا يعطي الطريقة لكل من يطلبها، بل يحرص على إعطائها لمن يستحقها فقط، وكان يحرص على المجاهدات والخلوات والرياضات، ولم يكن يحب الاستكثار من المريدين والتابعين، بل كان شأنه الخفاء وعدم الظهور بقدر المستطاع، لكنه لم يستطع متابعة الإرشاد في التكية القادرية، بسبب المرض الذي ألم به، فقد ابتلاه الله عز وجل في عام (1954م) بمرض في الكبد (أكياس الكبد)، والذي أصبح فيما بعد عائقاً بينه وبين تصدره للمشيخة ومتابعة شؤون التكية والسالكين في التكية، حيث كان يخضع للعلاج، وأجرى عدة عمليات جراحية.

 ولما اشتد المرض عليه، طلب من أخيه الشيخ عبيد الله التفرغ للمشيخة وشؤون التكية لأنه لم يعد قادراً على متابعتها بسبب المرض.

تعيينه نقيباً للأشراف: إن نقابة السادة الأشراف في هذه العائلة الشريفة منذ عدة قرون، توارثوها كابراً عن كابرٍ، حتى وصلت إلى سيدنا الشيخ سيد محمد قدس سره، وقد ورثها عن والده الشيخ أحمد القادري، الذي كان نقيب أشراف جزيرة الفرات (محافظة الحسكة)، وكان شهيراً بخبرته بالأنساب الهاشمية، وكان يقصد لذلك من كل البلاد.

وقد تلقى الشيخ سيد محمد هذا العلم الشريف عن والده قدس الله سره، وبعد وفاة والده عين الشيخ سيد محمد نقيباً لإشراف محافظة الحسكة خلفاً لأبيه قدس سره، وكان تعيينه بمرسوم جمهوري صدر بتاريخ: (18/9/1373هـ)، الموافق: (7/5/1954م)، في عهد الرئيس هاشم الأتاسي، وحكومة صبري العسلي، وكان في ذلك الوقت لكل محافظة نقيب أشراف، يتم تعيينه بناءً على اقتراح مفتي الجمهورية وموافقة وزير الأوقاف.

وفي تاريخ: (1/2/1390هـ)، الموافق: (7/4/1970م)، أصدر الرئيس نور الدين الأتاسي مرسوماً جمهورياً بإلغاء منصب نقيب الأشراف في سورية، ولم يعين بعد هذا التاريخ نقيباً للأشراف في أي محافظة.

وكان الشيخ سيد محمد آخر نقيب للأشراف في سورية في محافظة الحسكة، حيث مات كافة النقباء في المحافظات ولم يعين أحد بعدهم، فكلف الشيخ سيد محمد القادري بتسيير شؤون نقابة السادة الأشراف في الجمهورية العربية السورية بالتزكية، ولم يكن يعرف نقيب في سورية بمرسوم جمهوري ويعتد به من قبل الحكومة السورية غيره.

وكان رحمه الله تعالى عالماً بارعاً بعلم الأنساب وتحقيقها، وقد رأيت من فيوض علمه بهذا العلم الكثير، فعندما يتحدث عن الأنساب وكأنه يتكلم عن أسرته، فقد كان ملماً بكل الأنساب الحسينية والحسنية الهاشمية، مع شدة التقوى والورع في تحقيق وتوثيق الأنساب، وبقي في نقابة الأشراف حتى وفاته رحمه الله تعالى، وقبل وفاته أجاز لأخيه وخليفته الشيخ العارف عبيد الله القادري الحسيني قدس الله سره، بعلم الأنساب ونقابة الأشراف وتسيير أمورها.

أما مشايخه في العلم والتصوف: فقد أكرم الله تعالى بالأخذ والتلقي عن الكثير من العلماء والعارفين في عصره، فمنهم من أخذ عنه العلم، ومنهم من أخذ عنه السلوك والتصوف.

وسنذكر فيما يأتي أهم وأبرز مشايخه قدست أسرارهم: والده الشيخ أحمد القادري الحسيني، ومنهم الشيخ محمد الهاشمي التلمساني الدمشقي الشاذلي، ومنهم الشيخ محمد العربي العزوزي الحسني، ومنهم الشيخ محمد فريز الكيلاني الحموي، ومنهم الشيخ عبد الكريم الكسنزاني القادري، ومنهم الشيخ محمد مكي الكتاني الحسني.

 أما وفاته قدس سره العزيز: فقد كانت في يوم السبت الواحد والعشرين من شهر رمضان لسنة (1424هـ)، الموافق للسادس عشر من شهر تشرين الثاني لعام (2003م)، ودفن بجوار والده الشيخ أحمد قدس الله سره ونور ضريحه.

وكانت وفاته عن أربع وثمانين سنة، قضاها بالعلم والتربية والإرشاد والسلوك، تربى على يديه الكثير من الأجيال والتلاميذ، ونشر الطريقة القادرية العلية في عدة بلاد، وكان من الأخفياء الأتقياء الذين لم يطلبوا سمعة ولا شهرة؛ بل طلبوا الله عز وجل، وأرادوا ذلك بصدق وإخلاص، وبذلوا كل جهدهم لهذا وكل من عرفه رحمه الله لم يسعه إلا أن يحبه ويجله ويقدره رغماً عنه، رحمه الله تعالى.

وأعقب الشيخ أربعة من الأبناء وهم: السيد أحمد، والسيد منتصر، والسيد علي، والسيد محمد آية الله، حفظهم الله تعالى، وهم من خيرة الأبناء لخير أب، وإني على معرفة بهم منذ أكثر من خمس وعشرين سنة، فلم أر منهم إلا أحسن الأخلاق وأكمل الآداب، وكلهم على سيرة والدهم، نسأل الله أن ينفع بهم البلاد والعباد وأن يجعلهم قرة عين لشيخنا، وكلهم لهم عقب وذرية حفظهم الله تعالى.

ومن أبرز خلفائه في الطريقة القادرية: هو أخوه العارف بالله السيد الشريف شيخنا ووالدنا وقدوتنا الشيخ عبيد الله القادري الحسيني قدس سره، وهو خليفته على مشيخة الطريقة القادرية، تولى المشيخة في حياته رضي الله عنهما. ومن خلفائه في الطريقة أولاده الأربعة الشيخ أحمد فاتح رحمه الله تعالى، والشيخ محمد منتصر، والشيخ عبد العلي، والشيخ محمد آية الله.

وممن أخذ الإجازة القادرية عنه العارف بالله السيد الشريف الشيخ يوسف هاشم الرفاعي الحسيني نقيب الأشراف في الكويت قدس سره. ومنهم شيخ القراء بدمشق الشيخ محيي الدين الكردي الدمشقي. ومنهم الشيخ عبد العزيز البرادعي الحلبي. ومنهم الشيخ محمد فاتح الكتاني نجل الشيخ مكي الكتاني، ومنهم الشيخ محمد ابن شيخ إبراهيم ابن شيخ محمد ظاهر القادري، ومنهم الدكتور محمد منير الشويكي القادري الحسيني. ومنهم الشيخ محمد غازي حسين آغا الحسيني الحمصي. ولعل هناك غيرهم لا نعرفهم ممن تشرف بالإجازة من الشيخ قدس سره.

قلت: ومن فضل الله تعالى وكرمه عَلَيَّ أن أكرمني بصحبته والتلقي عنه ثلاث عشرة سنة، وقد جلست خلالها معه جلسات كثيرة جداً، وتلقيت عنه غالب علوم الطريقة وتراثها، ورغم مرضه المزمن لم يكن يرد أحداً عن بابه، ورغم صغر سني كنت أجلس معه أحياناً وقتاً طويلاً، وما أذكر انه اعتذر عن لقائي يوماً، اللهم إلا أن يكون مريضاً، أو مسافراً، لمعرفته بأني طالب علم وسلوك ولا هم لي سوى ذلك، فكنت اجلس معه وأستقي من علمه وبركته وخاصة في علوم الطريق، وكم كان يفرح لكثرة ما أسأله عن الطريقة وعلومها وسيرة المشايخ الكرام.

وكان الشيخ قدس سره غزير العلم، فما سألته سؤالاً إلا وأجد له الجواب الشافي الكافي وخاصة في علوم التصوف والطريق، وتراجم مشايخنا الكرام قدست أسرارهم.

والحقيقة يعجز اللسان عن وصفه، ووالله لم أر مثله إلا في الكتب، ولا أبالغ إن قلت أنه كان يعطي دروساً في التواضع، وكان بسيطاً غير متكلف، لا يعرف حب الظهور إليه طريقاً، ولم أره يكره شيئاً كما يكره الشهرة والظهور، وقد رأيته وهو في أواخر عمره يأبى إلا أن يخدم ضيوفه بنفسه، إلا إذا وجد أحد أبنائه أو أحفاده، وأحياناً يسمح لبعض المريدين المقربين بالخدمة، وكان لا يسمح لأحد بتقبيل يده، ولا يسمح لأحد أن يجلس بين يديه على الركبتين ولا يسمح بوضع يد فوق يد بين يديه، ومن شدة تواضعه يسبق ضيوفه عند الخروج ليسوي الأحذية ويقدمها لهم ليلبسوها، ولم أر هذا عند أحد ممن رأيتهم، وكان سخياً كريماً منفقاً، محباً للفقراء والمساكين، ومقصداً للمحتاجين والسائلين، لا يرد عن بابه أحداً يقصده، إلا ويساعده بحاجته، فإن لم يقدر اعتذر منه الاعتذار الجميل.

ولم أر الابتسامة تفارق وجهه طيلة صحبتي له، وكان يرضى ببساطة العيش، يمتلك بيتاً من طين، ورثه عن والده، ولم يملك سيارة رغم مكانته التي يتحلى بها، فلم يكن قدس الله روحه من أهل الدينا، بل كان معرضاً عن زينتها وملذاتها وشهواتها، مقبلاً على ربه طالباً رضاه، راضياً بما قسم الله له من نعيمه وخيره، والأعجب من ذلك كله تبين بعد وفاته رحمه الله، أنه كان يخصص رواتب شهرية يقدمها لبعض الأسر الفقيرة والأيتام في عامودا، ولم يكن يعلم بهذا حتى أقرب الناس إليه، فلله دره من رجل عظيم نفعنا الله تعالى ببركته، وأمدنا بمدده.

المصدر: روض الجنان في ترجمة قطب البريفكان
للشيخ مخلف العلي الحذيفي القادري الحسيني