أما موضوعه فهو الذات العلية، ومعرفة الله سبحانه وتعالى بالبرهان، والشهود والعيان، وأحوال القلب والنفس والروح وأفعالها.
أما معرفة الله تعالى: فمن حيث التحقق بمقام العبودية عملاً بقوله تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾([1])، والوصول لمقام الوراثة الحقيقة المتمثلة بقوله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾([2])، ثم الانتهاء بمقام الإحسان المتمثل بقوله صلوات ربي وسلامه عليه: «أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ».
وأما معرفة النفس: فمن حيث أحوالها، وطرق تزكيتها، وتنقيتها من الأخلاق السيئة، وتحليتها بالأخلاق الحسنة؛ امتثالاً لقوله سبحانه وتعالى: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا﴾ ([3]).
وأما معرفة القلب: فمن حيث أعماله وسبل اصلاحه عملاً بقول رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «أَلَا إِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةٌ إِذَا صَلُحَتْ صَلُحَ الْجَسَدُ كَلَهُ، وَإذاَ فَسَدَّتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كَلَهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ»([4]).
وأما معرفة الروح: فمن حيث سبل تصفيتها من الكدورات، وتطهيرها لتكون كما خلقها ربها عز وجل نقية طاهرة، لتكون في زمرة الأرواح الطيبة، متصلة بحبل من نور بربها عز وجل.
أما غاية علم التصوف: فهي تحقيق موضوعه الذي ذكرناه فيما مضى من معرفة الله تعالى، والتحقق بالعبودية، والتحقق بالخلافة ومقام الإحسان.
وهذه الغاية تتحقق من خلال الارتقاء بالإنسان إلى تهذيب السلوك الإنساني، والسمو بالنفس البشرية بالتزكية والتصفية والتحلية، عن طريق علاج أمراض القلوب والنفوس، وتصحيح المفاهيم والتصورات، وتقويم الجوارح وفق ضوابط الشريعة، والسمو الأخلاقي عن ملذات الدنيا وشهواتها للفوز برضا الله تعالى، ونيل سعادة الدارين.
فالغاية الكبرى من التصوف هي الوصول إلى مقام الإحسان والفوز بالمحبة والقبول والرضا والرضوان من الله جل جلاله.
أما ثمرة علم التصوف: فهي أن يفوز الصوفي الفوز برضا الحق عز وجل ومحبته، والوصول لمرتبة العبد الرباني الذي يكون لله كما يريد،
وأن يقيم على هذه الأرض الخلافة الربانية، ليحقق مراد الله عز وجل من خلقه، والاتصال والوصال بالحقيقة المحمدية التي هي مدار الخلق في هذه البشرية، والتي هي باب الله الأعظم ولا وصول من دونها.
ومن ثماره يوم القيامة أن يكون الصوفي من الذين قال الله فيهم: ﴿ قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ ([5]).
المصدر: الرسالة الحذيفية في تعريف التصوف والصوفية
موقع الطريقة القادرية العلية 2025