ومن أبرز خلفاء الشيخ نور الدين البريفكاني وشيوخ الطريقة القادرية البريفكانية العلية، الذين لاح نور سندهم في مشارق الأرض ومغاربها، هو سيدنا وشيخنا ومرشدنا وحلقة الوصل في سلسلتنا المباركة، العارف بالله الشيخ محمد نوري ابن الشيخ عبد الله البريفكاني، شقيق الإمام المجدد الشيخ نور الدين البريفكاني قدس سره، ويلقب بالدهوكي نسبة لمدينة دهوك التي هاجر إليها من بريفكان واتخذها موطناً له وبقي فيها حتى وفاته.
ولد الشيخ محمد النوري قدس سره في سنة: (1246هـ، 1830م)، في قرية بريفكان لأم وأب صالحين، ونشأ وترعرع في وسط عائلة تعرف بالمشيخة والصلاح والسيادة والعلم، فوالده هو الشيخ عبد الله البريفكاني، وعمه هو الشيخ نور الدين قدس سره، وكان يكبره أخوان له، هما الشيخ عبد القهار والشيخ عبد القادر، وكان والدهم على الطريقة الخلوتية، طريقة والده وأجداده، فانتفع به وأخذ عنه الكثير من الخيرات والبركات والعلوم والمعارف، ولكنه سلك الطريقة القادرية من عمه الشيخ نور الدين قدس سره، ولازمه ملازمة كاملة، وعمل على خدمته، حتى صار كابن له؛ لأن الشيخ لم يكن له أبناء.
فنشأ وترعرع في كنف عمه القطب الكبير، وفي قرية بريفكان تلقى السلوك والعلوم والمعارف، هذه القرية التي كانت تشهد في ذلك الوقت أفضل عصورها وأيامها، والتي بدأ نورها يشرق من تكية ومدرسة القطب شمس الدين الأخلاطي قدس سره، بعد أن قام بتجديدها الإمام المجدد الشيخ نور الدين، حيث أصبحت مقصداً للعلم والعلماء والسالكين والعارفين من كل البلاد، وفي رحابها سلك وأقام شيخنا محمد النوري قدس سره، فنهل من عمه ومن والده ومن خلفاء عمه شتى العلوم والمعارف، وتربى على أحسن الأخلاق، وسلك أحسن المسالك، حتى بلغ مبلغ الرجال وسلك مسالكهم.
ثم تشرف بعد ذلك بمصاهرة عمه وشيخه الإمام المجدد الشيخ نور الدين قدس سره، الذي زوجه ابنته الكبيرة السيدة الشريفة والدرة المنيفة پيروز خان، فازدادت ملازمته وقربه لعمه كثيراً بعد مصاهرته، فكان بمثابة الولد لعمه وشيخه، فصار له الحظ الكبير بالصحبة والملازمة للشيخ، وبقي بصحبته حتى انتقاله إلى الرفيق الأعلى.
وقبل انتقال عمه الشيخ نور الدين أجازه وخلفه في الطريقة القادرية وأذن له بالإرشاد والتسليك، وكان عمره يومئذ اثنتان وعشرون سنة، فأصبح بعد ذلك من أجل شيوخ الطريقة القادرية، وخير خلف لعمه.
وبعد وفاة عمه الشيخ نور الدين آلت شؤون التكية والإرشاد في بريفكان إلى الشيخ عبد الحميد الأتروشي صهر الشيخ نور الدين على ابنته فاطمة، وفي هذه الفترة انتقل الشيخ محمد نوري الدهوكي من بريفكان إلى مدينة دهوك وأقام فيها وأسس فيها التكية القادرية، ونشر الطريقة فيها، فكتب الله عز وجل له القبول في قلوب الناس، وبعد انتقال الشيخ عبد الحميد الأتروشي إلى أتروش، آلت شؤون تكية بريفكان إلى الشيخ محمد نوري الدهوكي.
وفي هذه الفترة صار الشيخ محمد نوري الدهوكي شيخ الطريقة القادرية العلية وكبير العائلة البريفكانية، فكان يتولى الإرشاد في تكية عمه في بريفكان، ويشرف على شؤونها، ويعينه على ذلك أبناء أخوته الشيخ عبد الجبار بن الشيخ عبد القهار، والشيخ نور محمد بن الشيخ عبد القادر، فكان الشيخ عبد الجبار ينوب عنه في بريفكان، والشيخ نور محمد ينوب عنه في دهوك.
وكذلك كانت تعينه ابنة عمه السيدة صافية ابنة الشيخ نور الدين التي كان لها دور كبير في إدارة ورعاية شؤون التكية؛ حيث نذرت نفسها لخدمة الطريق، وبنفس الوقت كان الشيخ قدس سره يتولى المشيخة والإرشاد في تكيته التي أسسها في دهوك، وجلس فيها للإرشاد والتدريس، فأقبل عليه المريدون والسالكون، فصار له الكثير من المريدين، وكان يعينه في شؤونها في دهوك ابن أخيه الشيخ نور محمد بن الشيخ عبد الله، فازدهرت الطريقة في عصره، وأصبح الشيخ قدس سره من كبار المشايخ ومن فطاحل العلماء يقصد للإرشاد والتدريس من كل المناطق، وكان عالماً فاضلاً ومرشداً كاملاً، ثم استقر بعد ذلك في دهوك بشكل نهائي، وكان ينوب عنه في رعاية شؤون تكية بريفكان ابن أخيه الشيخ عبد الجبار بن الشيخ عبد القهار البريفكاني.
وكان من جميل صفاته البساطة والتواضع والزهد وحسن المعاملة لجميع الناس، والتفاني بخدمتهم وقضاء حوائجهم، وكان محبوباً من قبل خلفاء الشيخ نور الدين قاطبة لأنهم كانوا يعتبرونه بمثابة الابن للشيخ نور الدين.
ومن جميل تواضعه، أنه صحب علامة الموصل وخليفة الشيخ نور الدين الشيخ محمد بن السيد جرجيس النوري، فأخذ عنه العلوم والمعارف، ونال شرف الخلافة في الطريقة القادرية منه مرة أخرى، رغم أنه من خلفاء الشيخ نور الدين وابن أخيه وزوج ابنته، لكن كل هذا لم يمنعه من الاستزادة من العلم والمعرفة من خليفة عمه الشيخ محمد نوري القادري، الذي كان يجله ويحترمه كثيراً، كما أخذ خلافة أخرى في الطريقة القادرية مرة أخرى عن الشيخ علي كلي رماني خليفة الشيخ نور الدين قدس.
وكان قدس سره محباً للعلم والعلماء وطلبة العلم، وكان يحترمهم ويجلهم ويقدرهم، وكان يعمل على خدمتهم وتكفلهم بالنفقة بقدر المستطاع، وإذا حضروا مجلسه كان يحث على احترامهم وإجلالهم لما لهم مكانة عند الله عز وجل، وهذه الصفة أخذها عن عمه الذي يعرف بإجلاله للعلم والعلماء، وخفض الجناح لهم، فأحبوه وأقبلوا عليه من كل مكان.
يقول عنه الملا محمد سعيد البريفكاني: «كان من مشايخ الطريقة القادرية، فهو خليفة مأذون من قبل عمه الشيخ نور الدين، وكان مرشداً مقبولاً بين الخاص والعام، وقدوة يقتدون به وكان للناس فيه رغبة شديدة في القلوب، يتلقونه وأقواله بكل رغبة واحترام وذلك لدينه وعفته وزهده وتقواه».
ويقول أيضاً: «كان محباً لأهل العلم والعلماء ولمجالستهم، وكانت من جملة عاداته الطيبة تشجيع طلبة العلم على التحصيل والسعي في طلبه فيساعدهم، ويحترم الفضلاء والفقهاء ويرغب العامة في احترامهم وتعظيمهم ويشير إليهم ويقول: هؤلاء هداة وأدلاء لطريقة الآخرة وإنهم حملة القرآن وأحكامه والحديث وآدابه، ولهذا السبب فلقد تخرج جم غفير من علماء الدين والفضلاء البارزين في عهده فصار أن كثر العلماء».
وقد وصفه الباحث محمد أحمد مصطفى الكزني: «العلامة المفضال الشيخ محمد بن الشيخ عبد الله بن السيد عبد الجبار أبن أخي الشيخ نور الدين وختنه، كان رجلاً فاضلاً تقياً ورعاً زوجه الشيخ نور الدين ابنته، تصدر للإرشاد في بريفكان بعد انتقال الشيخ عبد الحميد إلى أتروش وكان محبوباً محترماً عند خلفاء الشيخ نور الدين لأنه كان بمثابة الابن للشيخ نور الدين».
أما وفاته: فقد توفي قدس سره في سنة (1305هـ، 1887م)، في مدينة دهوك، ودفن في تكيته، والتي تعرف بقبة دهوك، وقد أكرمني الله بزيارته أكثر من مرة، الأولى في سنة (1440هـ - 2018م)، والثانية في سنة (1441هـ-2019م)، والثالثة في سنة (1445هـ - 2024م)، وقد أصبحت الآن مقبرة لآل البريفكاني. وقد أخبرني الشيخ أكرم عبد الوهاب أن الشيخ محمد نوري أفندي القادري لما بلغه خبر وفاة الشيخ محمد نوري الدهوكي أرسل ابنه ليحضر جنازة الشيخ محمد نوري الدهوكي نيابة عنه، لأنه لم يستطع الحضور بنفسه.
وبعد وفاته قدس الله سره خلفه من بعده على مشيخة الطريقة القادرية، وعلى التكية القادرية في بريفكان وفي دهوك، ابن أخيه وصهره العارف بالله الشيخ نور محمد البريفكاني القادري قدس سره، وكذلك خلفه على شؤون تكية بريفكان ابن أخيه الشيخ عبد الجبار البريفكاني قدس سره.
وأما خلفاؤه قدس سره: فقد خلف الشيخ محمد النوري الدهوكي العديد من الخلفاء من أهمهم: الشيخ نور محمد بن الشيخ عبد القادر البريفكاني، والشيخ عبد الجبار بن الشيخ عبد القهار البريفكاني، والشيخ عبد القهار البريفكاني ابن الشيخ عبد الجبار البريفكاني، والشيخ إبراهيم الجرجري، وغيرهم الكثير.
أما عقب الشيخ قدس سره: فقد أعقب الشيخ محمد النوري قدس سره ثلاثة من الأبناء وستًا من البنات:
أما الأبناء فهم: السيد علي والسيد ممدوح والسيد نوري، ولا عقب لهم، فقد توفوا جميعهم صغاراً.
وأما البنات فهن: السيدة آمنة خاتون: وهي الكبيرة، وزوجها هو ابن عمها السيد الشيخ عبد الجبار بن الشيخ عبد القهار البريفكاني، وتعتبر جدة غالب السادة البريفكانية. والسيدة نائلة خاتون: وزوجها هو ابن عمها السيد الشيخ نور محمد بن الشيخ عبد القادر البريفكاني، وتعتبر جدة القسم الثاني من السادة البريفكانية. والسيدة مريم خاتون: وزوجها هو ابن عمها السيد الشيخ نور محمد بن الشيخ عبد القادر البريفكاني. والسيدة عريف خان: وزوجها السيد عبد الغني، وهو ليس من السادة البريفكانية. والسيدة جويرة خان: وزوجها السيد محمد علي، وهو ليس من السادة البريفكانية. والسيدة طيبت خان: وهي لم تتزوج، وليس لها عقب.
رضي الله تعالى عن شيخنا وسيدنا العارف الرباني الشيخ محمد النوري الدهوكي قدس سره العزيز، ونفعنا ببركته وجعلنا على نهجه وخطاه، آمين.
المصدر: روض الجنان في ترجمة قطب البريفكان للشيخ مخلف العلي الحذيفي القادري الحسيني
موقع الطريقة القادرية العلية 2025