🆕 جديد الموقع

📰 الشيخ نور محمد البريفكاني

📁 القسم: شيوخ الطريقة القادرية
✍️ الكاتب: مخلف العلي القادري
📅 التاريخ: 2025-07-04
👁️ عدد المشاهدات: 947

الشيخ نور محمد البريفكاني

ومن أبرز خلفاء وشيوخ الطريقة القادرية البريفكانية العلية، هو سيدنا وشيخنا ومرشدنا وحلقة الوصل في سلسلتنا المباركة العارف بالله الشيخ نور محمد البريفكاني القادري الحسيني، ابن الشيخ عبد القادر بن الشيخ عبد الله شقيق الإمام المجدد الشيخ نور الدين البريفكاني قدس سره العزيز، ويعرف بالشيخ نور محمد الكبير.

ولد الشيخ نور محمد قدس سره في سنة (1277هـ-1861م)، في قرية بريفكان، لأم وأب صالحين، ونشأ وترعرع في وسط عائلة تعرف كلها بالمشيخة والصلاح والسيادة، فوالده هو الشيخ عبد القادر الابن الأوسط للشيخ عبد الله البريفكاني، وعمه القطب الكبير العارف بالله الشيخ نور الدين البريفكاني القادري الحسيني، وقد عاصر الشيخ عبد القادر عمه الشيخ نور الدين فترة طويلة، وأخذ عنه الكثير من الخيرات والبركات والعلوم والمعارف، أضف إلى ما أخذه عن والده الشيخ عبد الله البريفكاني رحمهم الله تعالى أجمعين.

ولكن الشيخ نور محمد لم يكن له نفس حظ أبيه فقد توفي والده في سنة 1281هـ، فكان عمر الشيخ نور محمد عند وفاة أبيه خمس سنوات، وقيل إنه توفي سنة 1286هـ، فيكون عمر الشيخ نور محمد تسع سنوات عند وفاة أبيه. وبعد وفاة والده الشيخ عبد القادر تولى رعايته وتربيته عمه وشيخه العارف بالله الشيخ محمد نوري الدهوكي البريفكاني القادري، فتلقى على يد عمه علوم الطريقة والتربية والسلوك، حتى أكرمه الله تعالى بالإجازة والخلافة الشريفة منه، ولازمه ملازمة كاملة، وتلقى عنه الكثير من العلوم والمعارف، وكان بمثابة الابن له، ومن شدة حب عمه له زوجه من ابنته السيدة الشريفة نائلة خاتون، وأعقب منها ابنه الشيخ عبيد الله، وبعد وفاتها تزوج من أختها السيدة مريم خاتون وأنجب منها ثلاث بنات.

كما أنه تلقى العلوم الشرعية كالفقه والحديث والتفسير والآدب والشعر عن علماء عصره من العلماء العرب والكرد، وخاصة من خلفاء الشيخ نور الدين الذين عاصرهم في إمارة بهدينان وفي الموصل، حتى صار عالماً فقيهاً أديباً شاعراً خطيباً متكلماً، كما تشرف بأخذ الخلافة القادرية عن الشيخ العارف بالله الشيخ محمد بن السيد جرجيس أفندي النوري الموصلي القادري.

وفي سنة (1303هـ)، بعد وفاة شيخه وعمه الشيخ محمد نوري الدهوكي البريفكاني، خلفه على شؤون التكية القادرية في دهوك وفي بريفكان، كما تولى الإرشاد ومشيخة الطريقة القادرية، وكان يعينه في إدارة شؤون تكية بريفكان ابن عمه الشيخ عبد الجبار بن الشيخ عبد القهار البريفكاني، وصار فيما بعد شيخ مشايخ الطريقة القادرية، وكبير عائلة آل البريفكاني، بل وصار زعيماً على عشيرة المزوري بأكملها، فتفرغ الشيخ بعد ذلك للمشيخة والإرشاد وتربية المريدين كما هو نهج آبائه وأجداده الكرام، وتفرغ لشؤون التكية القادرية في بريفكان وفي دهوك ولم يشغله عن ذلك شاغل، وكانت لديه من المؤهلات العلمية والأدبية والاجتماعية لذلك ما ليست لغيره من أقرانه رغم صغر سنه في ذلك الوقت.

يقول محمد سعيد ياسين البريفكاني: إن الشيخ نور محمد أفندي الكبير كان من مشايخ الطريقة القادرية، وكانت المؤهلات فيه أكثر من غيره، وفي أول الأمر بدأ يشتغل فيها؛ وتحمل مسؤولية الإرشاد وإفشاء الطريقة مثل أسلافه من أسرته وعلى العادة المستمرة من قبل.

وفي زمنه دخلت الطريقة القادرية النورية إلى تركيا، من خلال الشيخ محمد الباقري القادري جد شيخنا عبيد الله، وابن أخته الشيخ محمد الداري القادري، ثم انتقلت إلى سورية من خلال الشيخ أحمد الأخضر القادري، كما انتشرت من خلال مريدي الشيخ في عدة بلاد، فقد كان للشيخ نور محمد قدس سره تلاميذ كثر يتلقون منه العلوم والمعارف في شتى العلوم، وغالب تلاميذه هم في العراق وخاصة في إقليم كردستان، وانتشرت بعد ذلك في تركيا ثم منها إلى سورية.

ومن الجدير بالذكر أن شخصية الشيخ نور محمد قدس سره كانت شخصية عجيبة، مكتملة الجوانب، فكان قدس سره قائداً زعيماً وسياسياً، إضافة إلى كونه عالماً أديباً شاعراً خطيباً بليغاً فصيحاً، ذا فطنة كبيرة، وبديهة حاضرة سريعة. وكان ذو شخصية قوية، شجاع لا يخاف في الله لومة لائم، يقول الحق ولا يصمت على ضيم، وينصر من استنصره ويغيث من استغاث به من المظلومين، آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر في كل أحواله. 

يقول فيه الشيخ محمد سعيد ياسين البريفكاني: «كان من المشايخ القادرية من السادة البريفكانية، وكان شهماً عظيماً من عظماء عصره، واشتهر بفصاحته وبلاغته الفائقة وقدرته على الكلام والتكلم في البداعة الخطابية والكلامية، وأنه كان نابغة عصره، ونادرة من نوادر الزمان، وحق أن يقال: إنه بديع الزمان في علمه وفضله وذكائه، كان ذا خبرة وتجارب وموهبة خاصة في الأمور مما لا يحيط به سواه من الإنسان، جمع بين الفضل والسياسة والفراسة، ومن العادات الحميدة والأخلاق بما لا يصور، وكان من الأذكياء والفضلاء المتبصرين، وكان غيوراً وقوراً ذا احترام وقدرة وهيبة ورغبة في أعين الخاص والعام من الأهلين، وكان أديباً فذاً في الشعر والأدب والخطاب والتكلم، خطيباً بليغاً مسهباً ذا بيان سحري مهما طال الخطاب وطالت الجلسة، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا الخطأ في لسانه ولا العي في كلامه، وكان له إلمام تام بالأدب والشعر العربي والكردي والتركي، وكان يجيد أبلغ نظم في اللغات الأربع، وكذلك في فن الإنشاء والتحرير في الرسائل، ويقال: إنه كان يلقي الإنشاء على كتاب ثلاثة: في العربية والفارسية والتركية في وقت واحد لإملاء الرسائل بمختلف المواضيع وينتهي التكتيب: فتأتي الرسائل المذكورة لا خلل فيها، وعلى أحسن ما يرام من البلاغة، وكانت له أيضاً اليد الطولى في العلوم الدينية من الفقه والحديث والتفسير والعقائد وغير ذلك وكان جامعاً لجميع الفنون على اختلاف طبقاتها».

يقول صالح شيخو الهسنياني: «شيخ مشايخ الطريقة القادرية، نابغة، نادرة من نوادر الزمان، أديب شاعر ناظم خطيب متكلم من الأدباء المعدودين، كان شهماً وعظيماً من عظماء عصره، اشتهر بفصاحته وبلاغته وقدرته في الكلام والخطابة والبلاغة، جمع بين الفضل والسياسة والفراسة والعادات الحميدة والأخلاق الحسنة، له إلمام بالأدب والشعر العربي والكردي والتركي والفارسي، وكان يجيد النظم باللغات الأربعة، وقيل أنه كان يلقي الإنشاء على ثلاثة كتب في وقت واحد باللغات العربية والفارسية والتركية، وكانت له اليد الطولى في الفقه والحديث والتفسير والعقائد وغير ذلك من العلوم الدينية».

ومما يدل على سرعة بديهته: «أنه كان في يوم من الأيام في دار أحد مخلصيه من الأشراف من مدينة الموصل، وصادف أن حضر هناك بطريرك المسيحية، فلما جلس واستقر به المقام، ورحب به أهل المجلس توجه البطريرك نحو الشيخ نور محمد أفندي وسأله: يا شيخ تزعمون أن كل شيء في القرآن كما تقول الآية الكريمة ﴿مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ﴾،  فهل يوجد في القرآن الإشارة إلى عدد درجات دورة الشمس في الفلك سنوياً ؟ فأجاب الشيخ حالاً وبتوفيق من الله تعالى: نعم يوجد في القرآن الكريم الإشارة إلى ذلك، فقال: كيف؟ وماهي ؟ قال الشيخ: ﴿رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ، فلما حسبوا كلمة (رفيع) بالحساب الأبجدي خرج كعدد درجات دورة الشمس ٣٦٠ درجة  فتعجب الحاضرون من هذا الجواب ودهشوا من هذه البديهة السريعة الخارقة وسروا جميعاً لعدم غلبة البطريرك  لأن سؤاله كان للإحراج ولأجل إفحام أحد الفطاحل من علماء المسلمين وإفحام المسلمين جميعاً، فلم يقبل الله سبحانه وتعالى ذلك الخذلان، وألهم هذا الإنسان المسلم هذا الجواب الموفَّق المسكت بل المبكت أي تبكيت، والله ولي المؤمنين، واستدرك الشيخ نور محمد وقال: ما كنت لاحظت هذا الموضوع يقصد عدد دورة الشمس في القرآن ولا مر بقلبي أبداً، ولا فكرت في هذه الآية مطلقاً إلا في هذه اللحظة، فألهمني الله وأنطق لساني بهذا الجواب، والحمد لله على الإنعام والإكرام».

ومما يدل على فصاحته وبلاغته: «أن قاضي دهوك في ذلك الزمن كان قد هدد بعض أهل العلم في دهوك في قضية إفتاء قام بها هذا العالم، وخوفه وآذاه بالكلام، فلما علم بذلك الشيخ نور محمد أفندي حضر إلى مجلسه القاضي المذكور وعاتبه الشيخ على ذلك وقال له: لا يمكنك مرة أخرى أن تتعرض إلى أحد من هذه الطائفة من العلماء فإنهم أحرار في أقوالهم، فقال القاضي: إني قاضي الشرع ومن واجبي الإنكار على مثل هذه القضية، وإن القاضي كان أعوراً بعين واحدة، فأجابه الشيخ نور محمد فوراً وقال: أنت قاضي الشرع بلا عين، فيكون لهذا الكلام معنيان: الأول إذا كان المقصود بكلمة  (عين) عضو الإبصار في الإنسان فمعناه أنت أعور، وبعين واحدة، أما إذا قصد بها حرف العين فحذف حرف العين من كلمة الشرع معناه تصبح الجملة (أنت قاضي الشر)، وهذا ما أراد به الشيخ القاضي بكلتا النقيصتين، وذلك جواب لطيف بديه فوري: فسكت القاضي ولم يتكلم بعد».

وهكذا كانت حياة شيخنا ما بين علم وتعليم وإرشاد وسلوك ورعاية لشؤون التكية القادرية والمريدين، ولم يغير منهج آبائه ومشايخه غير أن الظروف المحيطة بالمنطقة والاعتداءات المتكررة على أوقاف التكية القادرية، والاعتداءات المستمرة على الضعفاء والمساكين اضطرت الشيخ لتغيير منهجه، فكان لا بد من الوقوف بوجه الظلم والظالمين ورد الحقوق إلى أصحابها.

يقول محمد سعيد ياسين البريفكاني: «غير أنه لما شاهد في بعض الأوقات الظلم والغدر من بعض الناس والاعتداء على الضعفاء في المنطقة؛ ومن دون رادع أو مانع لذلك؛ وأحياناً كانت تجري الحوادث والأمور من غير خوف، وتقع الاعتداءات كذلك على أموال التكية القادرية في دهوك وتقع التجاوزات والأضرار على قراها بما لا تقبله الحمية ولا الغيرة،  والحكومة التركية العثمانية آنذاك كانت مهملة جداً؛ ولذلك لم ير الشيخ بداً من الدفاع عن النفس ومنع التجاوزات والاعتداءات على القرى، فقام قومة للتصدي وللدفاع عن المنطقة أجمع ؛ فدافع عن الضعفاء والفقراء المظلومين؛ فاكتسب بذلك شهرة واشتغل بالسياسة من بعد، وقام بها أحسن قيام والتفَّ الناس حوله وأيدوه وعاونوه وساعدوه فتقوى وأخذ يهابه كل معتد وأصبحت المنطقة هادئة، ولم تحدث فيها أية مخالفة وعمرت القرى والأرياف كما كانت من قبل بواسطة هذا الإنسان الغيور عدداً من السنين».

ومن الحوادث المشهورة في سيرة الشيخ وكانت ذلك في عام: (1892م)، أنه اعتداء على رعاة التكية القادرية من قبل عشيرة التياري السفلى الآثوريين وهي عشيرة تسكن تيارا زوري الواقعة على الحدود التركية، حيث اعتدوا على الرعاة وقتلوا بعضهم ونهبوا ألف رأس من الغنم، فانتفض الشيخ كالأسد وجمع أنصاره وأتباعه من قبائل المزوري والبرواري وبالا والدوسكي وقبائل الكوباني، فهجموا على قبائل تياري السفلى، واستعادوا ما نهبوه وزيادة على ذلك، فقتل من قتل وهرب من هرب، ولكن الشيخ لم يأخذ شيئاً من ذلك إنما كان يريد تأديبهم فكان ذلك درساً لهم، ولم يتجرأ بعدها أحد على الاعتداء على مناطقهم، وتجدر الإشارة إلى أن عشيرة التياري كانت موالية ومدعومة من قبل بريطانية، وبسبب تلك الحادثة احتج السفير البريطاني في إستانبول السير ستراتفورد لدى الباب العالي للدولة العثمانية على هذه الحادثة، وبسبب هذه القضية استدعى السلطان التركي الشيخ نور محمد بواسطة والي الموصل إلى الآستانة، وبقي  هناك مدة من الزمن ثم عفا عنه ورخصه في الرجوع، وعاد إلى دهوك.

وحدثنا بعض مشايخنا أن السلطان العثماني كان يعزم على إعدام الشيخ، ولكنه رأى في منامه الشيخ نور الدين البريفكاني يأمره بتركه عدة مرات، فتركه ورجع معززاً مكرماً قدس سره العزيز.

ومن بعد هذه الحادثة برزت شخصية الشيخ قدس سره بالقوة والزعامة وصارت له هيبة كبيرة في إمارة بهدينان، وكان من جميل قوله معلقاً على هذا: إن طريقتي لا تصلح إلا هكذا، وهكذا تمشي الأمور مع الظروف، ويعتبر الشيخ نور محمد أول شخصية بارزة للقيادة والزعامة من السادة البريفكانية.

ومن الحوادث المشهورة في سيرته وقوفه في وجه الظلم والاعتداء الذي يقوم به أفراد الجيش الحميدي التابع للجيش العثماني الذي يقوده حاجي بك الأرتوشي، فجمع أنصاره ومواليه ووقف بوجههم ولم يقعد حتى أخرجهم من المنطقة فأصبحت القرى وأهلها آمنة عامرة ولا خوف لسنين عدة، كل ذلك بسبب همة الشيخ نور محمد قدس سره.

ومن الحوادث المشهورة: ما حدث  في سنة (1903م)، من خلاف بين الشيخ نور محمد وأهالي القوش، بسبب اعتناق رئيس القوش ومختارها يوسف صارا للدين الإسلامي على يد الشيخ، ولما كانت القوش ناحية تابعة لقضاء دهوك، لذا قام بطريرك طائفة الكلدان مارعمانوئيل الثاني تومكا، بالتوسط لدى السفير الفرنسي في العاصمة العثمانية إستانبول، بغية فصل القوش عن قضاء دهوك وربطها بالموصل، حتى لا يتمكن شيوخ بريفكان القادريون من التدخل في شؤونها وبعد ضغوط عديدة مارسها السفير الفرنسي تم فصلها إدارياً عن دهوك في عام 1905م وإلحاقها بالموصل.

الشيخ وعمله في السياسة: إن الظروف السياسية التي رافقت زمن الشيخ قدس سره وبحكم مكانته الاجتماعية والعشائرية والسياسية، وبسبب الظلم والاستبداد الذي تعانيه إمارة بهدينان من قبل ولاة الدولة العثمانية، اضطر الشيخ لمزاولة عمل السياسة، دفاعاً عن المظلومين والمضطهدين، فوقف موقف القادة والعظماء تجاه قضايا المنطقة ولم يقف مكتوف الأيدي، فكان مصلحاً سياسياً وقائداً ثائراً ضد الظلم والطغيان، فالشيخ قدس سره لم يكن شيخ طريقة ومرشداً روحياً فحسب، بل كان زعيماً ومصلحاً له هيبته ومكانته الاجتماعية والسياسية في إمارة بهدينان وكان له قبول كبير، وكلمته مسموعة عندهم، وقد لعب دورا بارزاً في الحالة السياسية في ذلك الوقت.

وفي عام (1907م) نزل بضيافة الشيخ نور محمد البريفكاني في رحاب التكية القادرية في بريفكان الشيخ عبد السلام البرزاني ومعه بعض زعماء العشائر الكردية، أثناء جولته في إمارة بهدينان لكسب تأييد العشائر الكردية لدعمه في مشروع الإصلاح السياسي والاجتماعي الذي يسعى إليه في إقليم كردستان، وقد حضر هذا الاجتماع عدد كبير من زعماء العشائر الكردية، وقد توصلوا خلال هذا الاجتماع إلى تشكيل وفد لمقابلة المسؤولين العثمانيين وعرض مطالبهم في وثيقة رسمية موقعة من قبل قادة وزعماء الكرد وتم اختيار الشيخ عبد السلام البرزاني لهذه المهمة لقدرة على محاورة الحكومة العثمانية حول مستقبل إقليم كوردستان، وفي عام (1911م) تم كتابة هذه الوثيقة الرسمية واتفقوا على إرسالها إلى مجلسي النواب والأعيان في الدولة العثمانية، وكانت هذه الوثيقة تحتوي على مطالب للكرد(،  وكانت موقعة من قبل كل من الشيخ عبد السلام البرزاني والشيخ نور محمد البريفكاني والشيخ بهاء الدين النقشبندي والحاج رشيد بك البرواري، كما أرسلت نسخ منها لقادة الكرد، وتعرف هذه الوثيقة في المصادر التاريخية بوثيقة دهوك.

غير أن الحكومة العثمانية لم تستجب لهذه المطالب، بل على العكس ازدادت غطرسة وظلماً، وسلطت واليها على الموصل سليمان نظيف على من كتب الوثيقة ووقع عليها، ثم بعد ذلك تم أرسلت الحكومة العثمانية قوة كبيرة لمواجهة حركة الشيخ عبد السلام البرزاني، وتم إلقاء القبض عليه وإعدامه في شهر كانون الأول من عام (1914م)، كما تم استدعاء الشيخ بهاء الدين النقشبندي من قبل والي الموصل سليمان نظيف وتم التحقيق معه ثم أفرجوا عنه، أما الشيخ نور محمد قدس سره فقد كان في ذلك الوقت مريضاً وطريح الفراش لا يستطيع الحراك مما ألم به من المرض، فأمر سليمان نظيف مرافقه الملازم الأول يوسف عز الدين الشركسي بمحاصرة دار الشيخ نور محمد بقوة كبيرة من الجندرمة، وتفتيش داره، ففعل ذلك فوجد صورة من الوثيقة التي أرسلت إلى المقامات الرسمية ومجلسي النواب والأعيان في إستانبول حول طلبات الإصلاح لكردستان، فاتخذها سليمان نظيف حجة لاتهامه وقبض عليه وأُتي به إلى السجن.

يقول المؤرخ صديق الدملوجي: كنت سجين سليمان نظيف والي الموصل الذي كان يرى فيَّ عدواً لدوداً للدعوة الطورانية ويتهمني بمناهضتي حفنة من الأتراك الأشاوس التلعفريين الذين حافظوا على عنصريتهم أجيالاً في قلب جزيرة ما بين النهرين وأنا مدير عليهم، فكانت تمر من أمامي في السجن صور مختلفة لضحايا هذا الوالي الغطريس الجبار ولي من الأصحاب مما كنت أخشى عليهم من الوقوع في قبضته، وعلمت أنه قد أحضر الشيخ بهاء الدين النقشبندي ولكنه لم يمسه بأذى وأذن له بالعودة  إلى محله، وصباح يوم أخبروني بأن شيخاً من الأكراد أتوا به إلى السجن وهو مريض، وبعد لحظة أدخلوه محمولاً على الأيدي وألقوه على حصير وتركوه، فتطلعت عليه فماذا رأيت؟ رباه هذا الشيخ نور محمد بنفسه، صعقت من هول الموقف، وقلت في نفسي: أبلغ بهذا الإنسان الجبار هذا الحد ليأتي بهذا الشيخ الفاني وهو على فراش الموت ويلقيه في جدران هذا الزندان، وما هو بالقاتل ولا بالسارق ولا بقاطع طريق، وهل من المروءة والواجب الإنساني أن يعامل بمثل هذه القسوة على جلالة قدره وسمو مكانته؟ سألته كيف وقع الأسد في الرابية؟ فتلا عليَّ هذين البيتين:

قضا دستيست پنج انگشت دارد
 

چو خواهد بر كسی رنجي كمارد
  

دو بر چشمش نهد ديگر دو برگوش
 

یكی رابر دهن يعنى كه خاموش
  

وأخذ يقص علي كيف حضر الملازم الأول يوسف عز الدين الشركسي مرافق الوالي سليمان نظيف دهوك، وحاصر داره بقوة كبيرة من الجندرمة وكيف اقتحمه دون رعاية وحشمة، وفتش خزانته وكتبه وأوراقه إلى أن عثر على صورة لبرقية رفعت قبل ثلاثة أعوام إلى المقامات الرسمية ومجلسي النواب والأعيان في إستانبول حول طلب الإصلاح لكردستان بالاشتراك مع الشيخ عبد السلام والشيخ بهاء الدين النقشبندي وحاجي رشيد بك أمير البروارية وغيرهم من زعماء الأكراد، فاتخذها سليمان نظيف حجة لاتهامه والقبض عليه وسجنه.

ثم يتابع الدملوجي فيقول: كان يقص علي هذا الخبر ويأسف على ابتلائه بعدة أمراض ويقول: لولا أمراضي هذه لرأيتني كيف أقمت كردستان وأقعدتها وفتحت على هذه الدولة ثغرة لا تسد وأتيت بهذا الوالي المأفون وعلقته على العود الذي علق عليه الشيخ عبد السلام.

وفاة الشيخ قدس سره: كان الشيخ مريضاً عندما أسره الوالي سليمان نظيف، ولم يراعِ مرضه أبداً بل عاملوه بالسجن معاملة سيئة جداً، مما أدى إلى اشتداد المرض عليه في سجنه، فبقي في السجن خمسة أيام ثم نقل في اليوم السادس إلى المستشفى، وفي مساء ذلك اليوم فاضت روجه الطاهرة إلى باريها.

 يقول صديق الدملوجي: لم يدم بقاؤه في السجن أكثر من خمسة أيام وفي اليوم السادس ذهبوا به إلى المستشفى، وفي مساء ذلك اليوم وصلنا خبر وفاته رحمه الله، وكثيراً ما كان يردد هذا البيت:

نديدم راحتي در بستر شاهي ودرويشي          اكر آسابشى كمان اندر كفن دارم

وقد أراد ذووه أن يذهبوا بجثمانه إلى دهوك حيث يدفن في مقبرة آبائه فأبى عليهم سليمان نظيف بحجة أن الأكراد سيتخذون قبره مزاراً ويزورنه فدفن في مقبرة الغرباء في نبي الله يونس.

وكانت وفاته قدس سره في سنة: (1333هـ-1915م)، ودفن قدس سره في مقبرة الغرباء نبي الله شيث عليه السلام، لأن الوالي رفض نقل جثمانه إلى دهوك كما ذكر صديق الدملوجي فرحمة الله تعالى عليه، وأمدنا بمدده، ونفعنا الله تعالى ببركته.

وأما خلفاؤه قدس سره: فقد خلف الشيخ عدة خلفاء من أهمهم: نجله العارف بالله الشيخ عبيد الله البريفكاني قدس سره، والشيخ محمد الباقري القادري الحسيني قدس سره، والشيخ محمد الكالي الداري الحسيني قدس سره.

والفقير يتصل به من خلال السند الآتي: عن الشيخ عبيد الله القادري الحسيني، عن أخيه الشيخ سيد محمد القادري الحسيني، عن والده العارف بالله الشيخ أحمد القادري الحسيني، عن والده الشيخ محمد الباقري القادري الحسيني، وعمه الشيخ محمد الداري الحسيني، وكلاهما عن الشيخ نور محمد البريفكاني القادري الحسيني قدس سره العزيز.

أما عقب الشيخ: فقد أعقب الشيخ نور محمد قدس سره ابناً واحداً، وثلاث بنات:

أما ابنه فهو: السيد الشيخ عبيد الله البريفكاني، وهو ابن السيدة نائلة خاتون ابنة العارف بالله الشيخ محمد نوري الدهوكي البريفكاني قدس سره، وللشيخ عبيد الله عقب مبارك سنذكره في ترجمته إن شاء الله تعالى.

وأما بناته فهن: السيدة عائشة خان، والسيدة رقية خان، والسيدة فاطمة خان وزوجها هو ابن عمها الشيخ منور ابن الشيخ عبد الجبار البريفكاني، وكلهن بنات السيدة مريم خاتون، ابنة العارف بالله الشيخ محمد نوري الدهوكي البريفكاني قدس سره.

المصدر: روض الجنان في ترجمة قطب البريفكان
للشيخ مخلف العلي الحذيفي القادري الحسيني