قواعد السلوك (3): المرشد الكامل
الكاتب: الشيخ القادري
سلسلة دروس قواعد السلوك
للشيخ مخلف العلي القادري الحسيني
القاعدة الثالثة: المرشد
الكامل
بسم الله
الرحمن الرحيم
الحمد
لله رب العالمين والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه
وسلم ، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً وعملاً وفقهاً
وإخلاصاً في الدين وبعد :
أحباب وإخوتي الكرام
درسنا اليوم عن القاعدة الثالثة من قواعد السلوك
وهي: (( صحبة المرشد الكامل )) وهي من أهم القواعد بل تكاد تكون الأهم من
بين القواعد لأنها هي الوسيلة للوصول إلى ما سواها من القواعد فالمرشد الكامل
تستطيع أن تأخذ العقيدة الصحيحة منه وتستطيع أن تستقي المنهج الصحيح منه وتستطيع أخذ
العلم منه ويعطيك الهمة والإقبال على الله تعالى وكل القواعد الأخرى تبعا لهذه
القاعدة ومن حيث التطبيق والبداية فهي نقطة الابتداء، وأما إذا فقدت المرشد فالطريق ستكون
صعبة وقاسية وكثيرة المزالق والمهاوي كمثل الغريب الذي يدخل بلداً لا يعرف فيها أحد
ويزورها لأول مرة. وحتى لا نتشتت بالحديث نحصر حديثنا في ست
فقرات مهمة وهي:
1) ضرورة صحبة المرشد الكامل .
2) الصفات التي يجب أن تتوفر في المرشد
الكامل .
3) من هم الذين نحذر من التتلمذ عندهم.
4) ماذا يفعل المريد إذا لم يجد المرشد
الكامل .
5) ماذا يتوجب علي في صحبة المرشد
الكامل .
6) فوائد صحبة المرشد الكامل .
أولاً: ضرورة صحبة المرشد الكامل:
قال رسول الله في الحديث الشريف حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات
، واعلم أن الصحبة من
الأمور التي حث عليها الإسلام بشدة وأمر بها قال تعالى : ﮋ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا
اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﮊ [التوبة:119] وقال تعالى : ﮋ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ
الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ﮊ [الكهف:28]
والآيات الدالة على ذلك كثيرة وقال عليه الصلاة والسلام: يُحشر المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل .
فالمرشد: هو رجل سار في هذه الطريق قبلك وعلم
مزالقه وعلم مطباته وعلم حفره وعلم الصحيح والخبيث في هذه الطريق فهو بمثابة
الدليل الذي يدلك على الله وهذه التسمية تسمية صحيحة، أطلقها أبو بكر على رسول الله في الهجرة عندما التقاهم أعرابي فسأل أبا
بكر من هذا عن رسول الله فقال له هذا دليلي وفهم الأعرابي انه دليله
بالطريق وأراد هو دليله إلى الله. لذلك من أراد السير إلى الله لابد من صحبه
المرشد ولا بد من الدليل الذي ينور دربك ويفتح بصيرتك لتعرف كيف تصل إلى مبتغاك
ومستراحك في الحضرة القدسية، أما السير بدون دليل فهو غالبا ما يوصلك إلى التخبط
وقد يؤدي إلى الضياع وربما إلى الهلاك لذلك من سار بلا دليل كان معرضاً للأعداء
وما أكثر أعداءك الذين يتربصون بك في طريقك إلى الله وهم النفس والشيطان والهوى
والدنيا والناس لكن بصحبة الدليل ( المرشد الكامل ) تكون في مأمن إن شاء الله.
ثانياً: الصفات التي يجب أن تتوفر في
المرشد الكامل .
كثيرون
هم الذين يتصدرون للمشيخة في هذا الزمان ولكن ليس الجميع أهلا للمشيخة وليس الجميع
قادرا على تربية المريدين وقيادتهم في طريق الله عز وجل لذلك وضع لنا علماؤنا صفات يجب أن تتوفر في الشيخ وإلا فإياك آن تتخذه
شيخا فإنه يهلك ويخذلك ومن أهم هذه الصفات هي :
1.
أن يكون عالماً بأحكام الشريعة والدين
عالم بالحلال والحرام عالم بحدود الشرع وعالم بالسنة النبوية وعالم بما علم من
الدين بالضرورة.
2.
أن يكون عالماً بعلم الحقيقة والطريقة
وعالم بأحوال القلوب والنفوس وطرق تزكيتها وخبير بأحوال السالكين وتدرجهم في
الطريق إلى الله ويكون قد أخذ هذا العلم من شيخ مرشد كامل عبر سند متصل إلى رسول
الله
.
3.
أن يكون كريماً سخياً مع ضيوفه
والسخاء من صفات رب العالمين ومن خلق الرسول الكريم والصالحين فلا يليق بالمرشد أن
يكون بخيلاً كما جاء في الحديث ما جبل ولي الله
إلا على السخاء وحسن الخلق فيكرم ضيوفه
ورواد زاويته دون التقصير بحق ضيافتهم وأن تدوم البسمة على وجهه وان يكون رحب
الصدر .
4.
أن يكون متواضعاً للمؤمنين يخضع لهم
بالقول والفعل وهذه الخصلة هي من خصال النبي
حيث أمره الله فقال له ﮋ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ
لِلْمُؤْمِنِينَ ﮊ [الحجر: 88] وقال تعالى ﮋ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ
وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ
زِينَةَ الْحَيَاةِ لدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن
ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ َمْرُهُ فُرُطًا ﮊ [الكهف:
28] والتواضع هو من أحسن الصفات التي يتحلى بها المؤمن وينبغي على كل شيخ مرشد
يتصدر للمشيخة أن يجعل نفسه خادماً للفقراء والمساكين وكان سيدي الشيخ معروفاً
بتواضعه للفقراء وكان يجلس معهم ويطاعمهم ويتجنب مجالسة الأغنياء والكبراء
والأمراء والوزراء إلا إذا أراد نصح لهم.
5.
أن يكون قد ناجحاً في تربية المريدين
وتزكية نفوسهم ولن يكون له هذا إلا إذا كان قد زكى نفسه قبل ذلك على يد شيخ خبير
بارع وأن يكون قد أذن له بالإرشاد
والمشيخة من قبل شيخه وفق سند.
وجاء في كتاب قلائد الجواهر في مناقب الشيخ عبد
القادر ص13 : ويقول الشيخ عبد القادر الجيلاني في بيان صفة الشيخ المرشد الكامل .لا يجوز لشيخ
أن يجلس على سجادة النهاية ويتقلد بسيف العناية حتى يكمل فيه اثنتا عشرة خصلة :
· اثنتان
من صفات الله تعالى وهما أن يكون الشيخ ستاراً غفاراً.
· واثنتان
من صفات النبي وهما أن يكون شفيقاً رفيقاً.
· واثنتان
من صفات أبي بكر t وهما أن يكون صادقاً متصدقاً.
· واثنتان
من صفات عمر بن الخطاب وهما أن يكون
أماراً نهاءً.
· واثنتان
من صفات عثمان بن عفان وهما أن يكون
طعاماً للطعام ومصلياً بالليل والناس نيام.
· واثنتان
من صفات علي بن أبي طالب وهما أن يكون
عالماً شجاعاً.
وقد ورد
في كتاب الجني الداني في مناقب القطب الجيلاني للبرزنجي أن الشيخ كان يقول: لا
يصلح لإرشاد الناس إلا من توفرت فيه ثلاث صفات:
· علم العلماء
· حكمة الحكماء
· سياسة الملوك
وفي هذا
القدر كفاية إن شاء الله في بيان أهم صفات المرشد الكامل .
ثالثاً: من هم الذين نحذر من التتلمذ
عندهم.
ويجب على السالك أن يجتنب
من لا تصح مشيخته وهناك صفات ذكرها العلماء ومن أهمها: ( الجهل ) يقول سيدي
محيي الدين ابن عربي إياك وصحبة الصوفي الجاهل فإنه أسوء الناس صحبة ، ويقول
سيدي نور الدين البريفكاني:
لا تصدق أحداً تصدر للمشيخة إلا من سلك زمناً طويلاً في الخلوات. وعلمت منه أنه
خالف نفسه فيها بأنواع الرياضات . فإن تبعته وصار شيخك وهو ليس كذلك فقد هلكت أنت
وهو ، فاجتنبه ولا تقرب منه مع العقل وعدم إيذاءه ولا تقل: إني أحسن الظن
به لأن من اعتقد بحجر نفعه ، لأن ذلك إنما هو ظن البراءة من الظلم والفسق والفساد
من المسلمين . وكلهم في ذلك سواء . لا . إن المراد أن العبد إذا رأى من صار شيخ
جماعة أو قال إني صرت مرشداً يظن له هذا الكلام صادقاً . لأن من صدق بكل فهو أحمق
. فلا تدخل تحت من يدعي المشيخة حتى ترى فيه ما لا يعترض عليه الشرع ولو في مثقال
ذرة . وإلا فإن ذلك الشيخ وبالاً على نفسه وغيره ، وكان قدس الله سره يعتقد أن
الشيخ لا يصل إلى المستوى الذي يكون فيه أهلاً لإرشاد الناس إلا بعد النجاح في
إجراء امتحان أربع موتات وهي :
1. الموت الأبيض : وهو الجوع وقلة الطعام
2. الموت الخضر : لبس المرقع والرخيص من
الثياب وان يزهد في الدنيا والقناعة في القلب
3. الموت الأسود : تحمل الأذى والشدائد
والصبر على الناس
4. الموت الأحمر : تزكية النفس وكسرها
وكبح جماحها
وبالجملة
كل ما خالف الصفات المذكورة في صفات المرشد يجب أن نجتبه قدر المستطاع والله تعالى
اعلم .
رابعاً: ماذا يفعل المريد إذا لم يجد المرشد الكامل .
إذا لم
يوفق المريد في العثور على شيخ كامل خبير بالمشيخة وتسليك المريدين فماذا يفعل في
سيره وسلوكه، هناك حلول ثلاثة وهي:
الحل
الأول: إذا لم
يجد المرشد كامل الصفات فلا يمنع في السلوك على يد شيخ اقل منه ولم تتوفر فيه كامل
الصفات المهم أن لا يكون فيه صفة تخل بالمشيخة وهناك الكثير ممن لم يصلوا درجة
الكمال في المشيخة لكن توجد فيها اغلب الصفات فلا مانع من التربية بين يديه حتى
يوفقه الله تعالى بشيخ كامل والله أعلم.
الحل
الثاني:
الالتزام بصحبة الإخوان الصالحين الذين يذكرونه بالله تعالى إذا نسي ويعينونه إذا
أطاع وصحبتهم تؤدي غلى الخير فإن ذلك خير له من أن يبقى دون صاحب ، يقول سيدي
الإمام الرفاعي العزلة خير من صاحب السوء
والصاحب الحسن خير من العزلة .
ثالثاً:
الالتزام بالصلاة على رسول الله
فقد أجمع أهل الطريق أن الصلاة على الرسول الكريم تحل محل المرشد وتكون بمثابة
الشيخ الكامل ذلك يستحب للسالك أن يلتزم بها ويكثر منها حتى يوفقه الله تعالى لشيخ
مرشد كامل يدله على الله تعالى ، وقد اختار أهل الطريق الصلاة على النبي
من بين العبادات والأذكار مع أن هناك من الأذكار
من هو أعلى شأن منها كالتوحيد لسر فيها يميزها عن غيرها وهذا السر يتجلى في ثلاثة
أمور وهي :
1) أنها
مقبولة لا ترد أبدا وفي هذا تتحقق ثمرتها في الملتزم بها وكلنا يعلم ثمرة الصلاة
على النبي
وهي كفيلة بان تصلح الإنسان حق الصلاح .
2) أن من
يصلي على النبي فغن الله يصلي عليه والملائكة تصلي عليه والرسول يصلي عليه ومن
كانت هذه حاله فكيف يظل أو يزل.
3) الصلاة
على النبي تورث المحبة والمحبة تورث الإتباع
وهذا هو المراد من السلوك إلى الله تعالى والله اعلم .
خامساً: ماذا يتوجب على المريد في صحبة المرشد الكامل .
أعلم أخي السالك إنك إن أكرمك الله وشرفك وهداك
لشيخ مرشد كامل يأخذ بيدك في سيرك إلى الله تعالى فينبغي أولاً أن تعتقد فيه كمال
الولاية وبلوغ مقام الإرشاد لينفعك فإن لم تكن بهذه العقيدة فلا ينفعك أبداً.
فإن اعتقدت
فيه ما ينبغي أن يعتقد المريد بشيخه بما لا يخالف كتاب الله وسنة رسوله الكريم
ويجب عليك أن تلازمه قدر المستطاع ولا تفارق مجلسه
عن أمكنك ، يقول سيدي عبد القادر الجيلاني: ينبغي على المريد أن لا يفارق شيخه حتى
تنفتح عين قلبه، فإن لم يستطع فعليه بالتمسك بمنهجه وآدابه قدر المستطاع ويسعى
جاهدا لمحبته حق المحبة والله تعالى اعلم .
سادساً: ما فائدة صحبة المرشد الكامل .
واعلم أن
لصحبة المرشد الكامل فوائد كثيرة جدا تتلخص كلها بأنه يكون سببا في وصولك لله عز
وجل فهو دليلك وسائق في الطريق إلى الله تعالى فاحرص أخي السالك قدر المستطاع على صحبه
أهل المعرفة وأهل الله تعالى إن أردت الوصول والسلوك والله تعالى اعلم.
وصلى
الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً والحمد لله رب العالمين