جديد الموقع
الشيخ أبو بكر القادري => سير مشايخ الطريقة ۞ أهم مشاكل التصوف المعاصر => مقالات في التصوف ۞ اختلاف الأمة المضحك المبكي => مقالات الشيخ القادري ۞ آداب المريدين => مؤلفات الشيخ القادري ۞ دعاء عظيم للحمل والذرية => فوائد ومجربات ۞ الصلاة الكبرى للجيلاني => مؤلفات الشيخ القادري ۞ الحرز الجامع والسيف المانع => مؤلفات الشيخ القادري ۞ درس تجربة => دروس ومحاضرات فيديو ۞ الوفاء لأهل العطاء => التعريف بشيوخ الطريقة ۞ تبصرة المسلمين وكفاية المحبين => مؤلفات الشيخ القادري ۞
الترجمة

الشيخ سيد محمد القادري

الكاتب: الشيخ مخلف العلي القادري

تاريخ النشر: 11-06-2022 القراءة: 2894

ترجمة الشيخ محمد القادري الحسيني

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، سبحانه وتعالى لا نحصي ثناء عليه كما أثنى على نفسه ، الذي أكرم أولياءه في كتابه العظيم بقوله: ( أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) [ يُونس :62].

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خير نبي اجتباه ورحمة للعالمين أرسله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .

أما بعد : فهذه باقة طيبة من حياة أحد أولياء الله الصالحين والعلماء الربانين الذي لا يزال ذكره وسيرته إلى هذا الوقت على ألسن الناس ولكن بشكل متفرق ، وهو احد شيوخ ورجال طريقتنا القادرية العلية وهو الأخ الأكبر لشيخنا الشيخ عبيد الله القادري مرشد الطريقة القادرية نقيب أشراف الديار الشامية الذي أخذها من شيوخه وعمل بها وسلك بها ولنيل البركة لي وللموقع كان لابد من التعريف بهذا الرجل فكتبت ما استطعت من سيرته كي أقدمها للناس ليتعرفوا عليه ويقتدوا به وبأعماله وبأقواله فأقول وبالله التوفيق :

هو الشيخ الجليل العارف بالله محمد الحسيني القادري الحسيني الملقب (بالأخضر ) نقيب السادة الأشراف في سورية ولا ندري من أين نبدأ وكيف نتكلم فو الله من منن الله علي أن جمعني بهذا الرجل العظيم الذي يشهد الله على كلامي يعطي التواضع تواضعا وهو مدرسة في الأخلاق ومنبع للصبر والبلاء فنبدأ على بركة الله تعالى

التعريف بالعائلة القادرية الحسينية التي ينتمي إليها الشيخ:

العائلة القادرية الحسينية صاحبة النسب الشريف الذي يصل بها إلى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عاشت هذه العائلة في مدينة ماردين وقراها التركية منذ عصر قديم تحت ظل الخلافة الإسلامية العثمانية ، حيث كانت تلقى كل الاحترام من قبل الخلفاء والولاة العثمانيين ، وبقيت معيشتهم وحياتهم على هذا النحو إلى أن قامت الحرب العالمية الأولى عام 1914 م حيث شاركت بها الدولة العثمانية كحليفة لألمانيا ضد انكلترا وفرنسا ، وعندما انتهت الحرب العالمية الأولى بخسارة ألمانيا والدولة العثمانية ، أدت هذه الحرب إلى تغيرات هامة في الدولة العثمانية أهمها :

· خسارة الدولة العثمانية مستعمراتها العربية وعودة حدودها إلى الأناضول .

· انقلاب الحكم من حكم إسلامي إلى حكم علماني تقوده جماعة من الضباط العلمانيين على رأسهم مصطفى أتاتورك عدو الإسلام والمسلمين الأول .

حيث عمل مصطفى أتاتورك على إسقاط الحكم الإسلامي والخلافة الإسلامية وقام بإعلان الجمهورية التركية العلمانية ، ثم عمل على ملاحقة رجال الدين وإلقاء القبض عليهم ، وعمل على إغلاق المدارس الدينية مما أدى إلى هجرة العلماء والمشايخ وعدد كبير من المسلمين إلى الدول العربية ، ومن الذين هاجروا بسبب هذه الكوارث العائلة القادرية التي كانت تعيش في ماردين وما حولها ، حيث هاجروا إلى سورية لقربها من مدينة ماردين ، فبعضهم قصد مدينة حران وبعضهم قصد مدينة عامودا السوريتين وكان ذلك في العشرين من هذا القرن .

وكانت الأسرة القادرية تلقى الرعاية والتربية السلوكية على يد الشيخ العارف بالله محمد القادري الباقري (الداري ) نسبة لمدينة دارا والد الشيخ احمد القادري قدس الله سره وكان هو شيخ الطريقة القادرية فيهم وكان له خمسة من الأولاد وهم : السيد عبد الرحمن والسيد حسين والسيد حسن والسيد إبراهيم والسيد احمد الأخضر وهو الصغير

وقد سمعت من سيدي الشيخ عبيد الله القادري ومن سيدي الشيخ محمد القادري أبناء الشيخ احمد الأخضر القادري قصة هجرتهم نقلا عن والدهم الشيخ احمد القادري الأخضر الذي رأى النبي صلى الله عليه وسلم في منامه وهو يأمروه بالهجرة على سورية والإسراع بالخروج من تركية فاستيقظ واخبر شيخه ووالده بالخبر وطلب منه الهجرة فرفض الشيخ وقال لولده يا بني لقد جاء الأمر بالهجرة لك أنت وعندما يأتيني الأمر بالهجرة سألحق بك فخذ اهلك وامض بهم حيث أمرت فاصطحب الشيخ احمد الأخضر أفراد الأسرة وودع الشيخ محمد والده وخرج بأهله متوجها لسورية حيث سكنت عائلة الشيخ أحمد القادري مدينة عامودا . وهنا عرف الشيخ محمد أن هذا الابن ( الشيخ احمد ) سيكون له شان كبير وهو مازال في ريعان الشباب مازال في صغره

وفي هذه الأثناء وُجه أمر لأحد ضباط الجيش يقتضي باعتقال الشيخ محمد قدس سره وكان هذا الضابط من تلاميذ الشيخ فوقع في محنة كبيرة بين واجبه تجاه قادته وواجبه تجاه شيخه الفاضل فتوجه للشيخ واخبره بالخبر فقال له الشيخ يا بني افعل ما تؤمر ولا حرج عليك فما أنت إلا عبد مأمور فقال الضابط يا سيدي والله لن أفعلها حتى لو كلفني ذلك حياتي فإن شئت يا سيدي أن تنقذ نفسك وتنقذني وتخرج ليلا وتلحق بأهلك فأشفق الشيخ على تلميذه الضابط وقرر الخروج ليلا إلى سورية وخرج معه خادمه وعند الحدود التي تكثر فيها الوديان والتلال والجبال وهذا معروف في الحدود التركية السورية ضلوا طريقهم والليل يطبق عليهم بسواده وهم بين الجبال والوديان لا يهتدون لطريقهم وإذا بهم يسمعون على بعد منهم اصواتاً تذكر اسم الشيخ وإذا بهم عسكر يبحثون عن الشيخ بعد أن علموا بهروبه وعندها أصاب خادم الشيخ خوفا شديدا وراح يحدث نفسه قائلا آه منك يا شيخ كنت أظن انك شيخ فإذا بك لست بشيخ غنما الشيخ هو إبنك الشيخ احمد الأخضر الذي خرج بأهله بأمر من رسول الله ثم قال في نفسه أفضل شيء أقتل الشيخ ثم أقتل نفسي أو اهرب خيرا من الوقوع في أيديهم . وفي تلك اللحظات نظر الشيخ إليه وقال : أهذا ظنك بي يا أسفاه على صحبتك ثم نزل الشيخ عن دابته واخذ حفنة من تراب بيده ثم صعد على ظهر دابته وضرب الدابة على أذنيها ضربة قوية فإذا بأذنيها يخرج منها ضوء قوي جداً أضاء لهم الطريق لعدة أمتار فكُشف لهم الطريق ثم قرأ على التراب قول الله تعالى ( وجعلنا من بين أيديهم سداً ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون ) ثم ألقاها باتجاه العسكر فمر من بينهم ولم يشعر به احد حتى عبر الحدود فإذا بالشيخ احمد الأخضر ولده يقف على الحدود ينتظره ثم ترافقا وتوجها إلى عامودا

وبدأ الشيخ حياة جديدة هو وأقرباؤه فعملوا على بناء البيوت ليعيشوا فيها هم وأولادهم ، وبدأ الرجال يعملون بالزراعة وتربية الأغنام وغير ذلك معتمدين على أنفسهم في تدبير معاشهم وحاجياتهم إلى أن أتى العدو الفرنسي سنة 1925 م . حيث بدأ بقصف المدن السورية بالمدافع والطيران وكان من هذه المدن التي قصفت مدينة عامودا ، وبسبب هذا القصف الذي أصيبت به عامودا رجع الشيخ محمد القادري والد الشيخ احمد الأخضر إلى تركية واستقر بمدينة دارة حتى توفاه الله تعالى فيها وقبره فيها يزار ويقصد من المحبين والمتبركين إلى الآن

أما الشيخ أحمد القادري فقد انتقل هو وعائلته إلى دمشق في الثلاثينات وسكن منطقة الكلاسة القريبة من الجامع الأموي حيث اشترى منزلاً فيها ، وعاش هناك فترة من الزمن حيث التقى فيها بأكابر العلماء والمشايخ وبقي فيها إلى أواخر الأربعينات حيث عاد إلى عامودا وعمل على بناء بيته وتكيته وبدأ حياة مستقرة مع عائلته إلى أن توفي سنة 1954 م في عامودا ودفن فيها .

ورزقه الله بثلاثة أولاد أكبرهم هو سيدي الشيخ محمد وأوسطهم سيدي الشيخ عبد القهار وأصغرهم سيدي الشيخ عبيد الله القادري أما الشيخ عبد القهار فقد توفاه الله في مقتبل شبابه قبل أن يتزوج وامتدت جذور هذه الأسرة الحسينية الطيبة من خلال ذرية الشيخ محمد القادري والشيخ عبيد الله القادري

نسب الشيخ محمد الحسيني القادري:

الحمد لله رب العالمين ، سبحانه وتعالى لا نحصي ثناء عليه كما أثنى على نفسه ، الذي أكرم أولياءه في كتابه العظيم بقوله: (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) [ يُونس :62].

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خير نبي اجتباه ورحمة للعالمين أرسله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .

أما بعد : فهذه باقة طيبة من حياة أحد أولياء الله الصالحين الذي لا يزال ذكره وسيرته إلى هذا الوقت على ألسن الناس ولكن بشكل متفرق ، وهو احد شيخ ومرشد طريقتنا القادرية العلية أخذها من شيوخه وعمل بها وسلك بها ولنيل البركة لي وللموقع كان لابد من التعريف بهذا الرجل فكتبت ما استطعت من سيرته كي أقدمها للناس ليتعرفوا عليه ويقتدوا به وبأعماله وبأقواله فأقول وبالله التوفيق :

يرجع نسب الشيخ قدس الله سره إلى شجرة حسينية طيبة وهذه الشجرة الحسينية الطيبة المباركة يتصل نسبها بسيد الوجود صاحب اطهر واشرف نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه : كل سببٍ ونسبٍ منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي . رواه الطبراني عن ابن عباس

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أحدهما أعظم من الآخر ، كتاب الله حبلٌ ممدودٌ من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما .. رواه الترمذي عن زيد بن أرقم

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله. واستمسكوا به. فحث على كتاب الله ورغب فيه. ثم قال : وأهل بيتي. أذكركم الله في أهل بيتي. أذكركم الله في أهل بيتي. أذكركم الله في أهل بيتي . رواه مسلم عن زيد بن أرقم

وهذا هو نسب هذه العائلة الكريمة الطيبة المباركة ونذكر نسبها بدءاً من الشيخ العارف بالله أحمد القادري الحسيني الأخضر فأقول وبالله التوفيق :

هو الشيخ الجليل العارف بالله السيد محمد القادري الحسيني بن العارف بالله الولي الكبير الشيخ احمد الأخضر الحسيني القادري نقيب أشراف الجزيرة الفراتية بن السيد الشيخ محمد القادري الداري الباقري الحسيني بن السيد خلف بن الأمير المشهور عبد العلي الحسيني القادري بن علي بن عبد الرحمن بن عبد الله بن محمد بن زيد بن زين بن شريف بن سلامة بن غيث بن غازي ابن الولي الكبير قاسم الأعرج بن يحيى بن إسماعيل بن هاشم بن عبد الله بن شريف بن الأمير عجلان بن علي بن محمد بن جعفر ابن الحسن الشجاع (قاضي دمشق) بن العباس ( نقيب النقباء ) بن الحسن (قاضي دمشق) بن العباس (قاضي دمشق) المنتقل من قُم المشرفة إلى حلب الشهباء بن أبي الحسين ( نقيب البصرة ) بن الحسن ( نقيب الدينور ) بن أبي الحسن الحسين قتيل الجن بن علي ( أبي الجن لقب بذلك لشدة هيبته) بن محمد بن علي بن الإمام إسماعيل الأكبر بن الإمام جعفر الصادق ابن الإمام محمد الباقر بن الإمام علي زين العابدين ( السجاد) بن سيد الشهداء الإمام السبط الشهيد أبي عبد الله الحسين بن أمير المؤمنين أسد الله الغالب الإمام علي بن أبي طالب كرم الله تعالى وجهه زوج البتول سيدة نساء أهل الجنة وبضعة المختار الطاهرة سيدتنا فاطمة الزهراء عليها السلام بنت سيد الأولين والآخرين وقائد الغر المحجلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم .

نسبه من جهة أمه:

وأما أمه رحمها الله فهي السيدة الشريفة الحاجة كلثوم الحسينية القادرية بنت العارف بالله السيد الشريف محمد الحسيني القادري قدس الله سره بحسن بن محمد بن علي بن عبد الله بن حسين بن عبد العزيز بن شرف الدين بن محمد بن حسين المعمر قدس الله سره بن عبد الله بن محمد باقر بن أحمد عيسى بن محمد بن عيسى بن يحيى بن عيسى بن عيسى بن محمد بن يحيى الصوفي بن جعفر الذكي الربحي بن الإمام علي الهادي بن الإمام محمد الجواد بن الإمام علي الرضا بن الإمام موسى الكاظم بن الإمام جعفر الصادق بن الإمام محمد الباقر بن الإمام علي زين العابدين السجاد بن الإمام السبط الشهيد الحسين بن أمير المؤمنين سيدنا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ورضي الله عنه زوج البتول الطاهر فاطمة الزهراء عليها ورضي الله عنهم أجمعين وهي بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم

ولادة الشيخ محمد القادري ونشأته وسلوكه:

ولد سيدي الشيخ العارف بالله محمد القادري سنة 1337 للهجرة الموافق لعام 1919 للميلاد في مدينة دارة ( مدينة الملك داريون ) ونشأ وترعرع فيها وقضى طفولته فيها في ظل هذه الأسرة الكريمة التي عرفت باالإلتزام بتعاليم الدين تحت ظل والده الشيخ أحمد الأخضر القادري قدس الله سره والدته السيدة كلثوم ابنة الشيخ محمد القادري شيخ والده الرجل الصالح وظهرت عليه معالم الصلاح منذ نعومة أظفاره ومنذ الصغر وجهه والده لطلب العلم ولكنه لم يقضي في مدينة دارة سوى ست سنوات من عمره حيث انتقلت أسرته إلى سورية واستقرت في مدينة عامودا التي قضى بها بقية حياته فيها وفي عامودا توجه لطلب العلم على يد شيخين فاضلين هما الملا عبد الحليم والملا عبد اللطيف واخذ عنهما الفقه الحنفي والفقه الشافعي وكان يتلقى التزكية وعلوم القوم والطريقة من والده العارف بالله الشيخ احمد القادري قدس الله سره ثم انتقل إلى دمشق مع والده وهناك اختلط بعلماء دمشق الكبار وأخذ عنهم العلم والأدب

وركز عليه والده الشيخ أحمد في علوم التزكية والطريقة والسلوك ليعده للطريقة من بعده فكان نعم الطالب النجيب الذي أخذ عن والده بكل أدب وبكل جهد ولم يوفر جهدا في نيل الخير والنور من أبيه وكان لصحبته مع والده أثر كبير في نفسه حيث صاحب والده خمس وثلاثون سنة من عمره وكما هو معروف نظرة من رجل صالح قد تغير حالك فكيف إن كانت سنوات من الصحبة والمداومة

وكان لملازمته لوالده أثر كبير في صلاح نفسه حيث اختلط بكل العلماء الذين كانوا يترددون على والده ووالده يتردد عليهم كأمثال الشيخ بدر الدين الحسني والشيخ محمد الهاشمي التلمساني والشيخ احمد الحارون والشيخ ملا رمضان البوطي والشيخ محمد صالح الفرفور والشيخ أمين كفتاروا والشيخ محمود الشقفة والشيخ محمد الحامد عالم حماة والشيخ محمد النبهان والشيخ محمد صدقة المكي المدني رضي الله عنهم أجمعين وبقية من علماء دمشق وغيرها فكان متبعا لوصية لقمان الحكيم لابنه : يا بني صاحب العلماء وزاحمهم بركبتيك

هكذا كانت نشأة الشيخ قدس الله سره في ظل هذه الباقة الطيبة من العلماء والصالحين فكانت نشأة عظيمة جعلت منه شيخا جليلا ومرشدا كاملا استطاع أن يربي أجيالا

أخلاق الشيخ محمد القادري :

قال عليه الصلاة والسلام أقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحسنكم خلقا

والحقيقة الحديث عن أخلاق الشيخ محمد القادري الحسيني حديث ذو شجون فهو بقدر ما هو عظيم بقدر ما هو صعب فو الله لقد رأيت من أخلاقه العجب بحيث ترددت في الكتابة عن خلقه خوفا من ألا أعطيه حقه في الحديث ولكن أتكلم بما يرضي الله تعالى وبما رأيته من خلقه بعيني ولمسته بنفسي فقد من الله علي بصحبته أكثر من ثلاث عشرة سنة ولله الحمد فأقول وبالله التوفيق :

كان الشيخ رضي الله عنه مدرسة من مدارس الأخلاق وكان يتحلى بأخلاق عظيمة ما رأيت مثلها فقط قرانا عنها في الكتب وسمعنا عنها من العلماء فكان رحمة الله عليه شديد التواضع ويرى نفسه أقل الناس فكان يستقبل في بيته كل من قصده ولا يفرق بين صغير وكبير ولا حاكم ولا محكوم ولا غني ولا فقير بل على العكس حبه للفقراء والبسطاء أكثر ولا يرد احد عن بابه ولا يسمح لحد يجلس في مجلسه على ركبتيه أبدا وينهى عن ذلك بشده ويقول هذه الجلسة لا تجلسوها بين يدي فقط اجلسوها بين يدي ربكم ولا يسمح لأحد بتقبيل يده أبدا ويقول لست ممن تقبل أيديهم ولا يسمح لأحد أن يقدم له حذاءه ويغضب لذلك بشدة على العكس كان إذا خرج من عنده الزائر خرج قبله للباب وقدم الحذاء لزواره وقد رأيت هذا مرارا وكان يقدم لضيوفه الشراب والطعام بنفسه ويقوم على خدمتهم ولا يسمح لحد غيره يقوم بهذا إلا أبناءه أو أبناء أخيه أو من أقاربه

وكان رحمه الله شديد الحياء لدرجة تعجب منها وتستغرب من ذلك ولا تشعر معه بأنك تجلس مع شيخك غنما مع أخ أو صديق أو محبوب فمجلسه تغلبه البساطة

أما الكرم والجود فهو آية من آيات الله يأتيه محصول أرضه فيمسك القليل ما ينفق منه على نفسه وعياله ويخرج ما تبقى منه للفقراء والمساكين وكان ينفق على الكثير من الأسر الفقيرة في عامودا وكان عنده أرضا زراعية تأتي له بالكثير ولكن إذا رأيته ورأيت أولاده وبيته الذي يسكن فيه رأيت علامة القلة والفقر ظاهرة فكان يؤثر الإنفاق على الفقراء على نفسه فلم يركب سيارة ملكا له وبيته بقي من التراب والطين حتى توفي رحمه الله تعالى وكان يجلس هو على حصيرة بينما يجلس ضيوفه على مفارش وما رأيته يوما جلس على فراش وإذا أراد احد أن يجلس على الحصير بعيدا عن الفراش نهاه عن ذلك ولا يرضى حتى يجلس على الفراش

وقد شهدت موقفا بعيني في داره وهو والله موقف عظيم تحتار منه العقول بحيث دهش الحضور كلهم بهذا الموقف حيث كنا جلوس في حضرته وكان المطر ينزل بغزارة والطين يملأ الشوارع وما رأينا إلا وباب التكية يفتح بقوة فإذا به شاب قد غاب عقله والجنون يغلب عليه فدخل هذا الشاب بحذائه الذي يحمل الكثير من الطين فدخل بحذائه ولم يخلعه ووطأ به على السجاد فهممت أنا والحاضرين بإخراجه فقال الشيخ بصوت سريع مرتفع اجلسوا دعوه وشانه فأعادها بقوة دعوه فجلسنا امتثالا لمر الشيخ فقام بنفسه حتى وقف عند هذا الشاب المجنون فأجلسه حيث كان يقف في وسط التكية على السجاد بحذائه المليء بالطين ثم أحضر كوبا من الشاي فأعطاه له فشرب الشاب الشاي والشيخ يقف عند رأسه ثم ملأ له كأسا آخر فشربه ثم ملأ له كأسا ثالثا فشربه فأراد أن يزيده فأبى الشاب ثم مد يده على جيبه فاخذ شيئا من المال وأعطاه للشاب ثم قبله على وجهه وأوصله للباب ورجع إلى مجلسه ونظر إلينا وقال ما بكم لماذا تنظرون إلي اما يكفي ان الله اخذ عقله وإذا أخذ الله ما أوهب رفع ما اوجب إذا كان الله قد رفع عنه التكليف فلماذا نحاسبه والسجاد ماذا حدث به بعد قليل تأتي إحدى النساء وتنظفه وانتهت المشكلة وتبسم وتابع الحديث فبالله عليكم ما هذه الأخلاق حقيقة إنها أخلاق بيت النبوة عليهم السلام

وعلى جلالة قدره وعلو مكانته كان لا يحب الظهور والشهرة فقد كان رضي الله عنه نقيب الأشراف في سورية وله مكانته المرموقة عند الحكام والمسئولين ومع ذلك كان لا يبالي بهذا كله ولا يتردد على أبوابهم بل هم يترددون عليه

وكان حسن المعاملة كل من عرف أحبه وتمنى أن لا يفارقه ويحب الفقراء والمساكين وأكثر جلسائه من الفقراء والمساكين وكان لا يمل من مجالستهم فلو جلست عنده ساعات طويلة لا يطلب منك الذهاب ولا يلمح لهذا مهما كان بل يجلس معك بنفس رضية ولا ترى الملل في وجهه إلا انه لا يستقبل أحدا بعد العشاء مهما كان وإذا طرقت بابه قبل الفجر يستقبلك التزاما بالسنة الشريفة وكان محبوبا من جميع الناس في بلدته عامودا والحقيقة مهما تكلمت عن أخلاقه فلن أوفيها حقها أبدا ولكن هذا ما وفقنا الله إليه وسنتابع الحديث عن خلقه في مواقف أخرى

إجازة الشيخ محمد القادري في الطريقة القادرية:

لقد من الله على هذا الشيخ العارف بالله وشرفه بالإجازة في طريقة سيدي عبد القادر الجيلاني رضي الله عنه فكانت إجازته من يد والده العارف بالله الشيخ احمد الأخضر القادري عن الشيخ محمد الباقري القادري عن الشيخ نور محمد البريفكاني القادري الحسيني عن الولي الكبير السيد الشيخ محمد النوري البريفكاني القادري الحسيني قدس سره وهو عن عمه إمام الطريقة وشمس فلك الحقيقة قطب العارفين وغوث الواصلين وإمام المحققين وشمس الموحدين تاج الكاملين ومجدد الدين حضرة مولانا القطب النوراني الجيلاني الثاني سيدي الشيخ نور الدين البريفكاني القادري الحسيني قدس الله سره عن العالم العامل الزاهد الورع التقي الشيخ محمود الجليلي الموصلي القادري قدس سره عن الشيخ أبي بكر الألوسي القادري قدس سره عن والده الشيخ عثمان القادري قدس سره عن والده الشيخ أبو بكر البغدادي القادري قدس سره عن والده الشيخ يحيى القادري قدس سره عن والده الشيخ حسام الدين القادري قدس سره عن والده الشيخ نور الدين القادري قدس سره عن والده الشيخ ولي الدين القادري قدس سره عن والده الشيخ زين الدين القادري قدس سره عن والده الشيخ شرف الدين القادري قدس سره عن والده الشيخ شمس الدين القادري قدس سره عن والده الشيخ محمد الهتاكي القادري قدس سره عن والده نجل الباز الأشهب سيدي الشيخ عبد العزيز القادري قدس سره عن والده السيد الشيخ الأكبر والكبريت الأحمر الغوث الصمداني والهيكل النوراني قطب الطرائق وغوث الخلائق وشمس فلك الحقائق ذو الفيض الجاري والنور الساري صاحب السر السبحاني مولانا أبي صالح محي الدين الغوث الأعظم الباز الأشهب الشيخ عبد القادر الجيلاني قدس سره العالي ورضي الله عنه وهو عن شيخه الشيخ أبي سعيد المبارك المخزومي رضي الله عنه عن الشيخ علي الحكاري رضي الله عنه عن الشيخ أبو فرج الطرسوسي رضي الله عنه عن الشيخ عبد الواحد التميمي رضي الله عنه عن الشيخ أبو بكر الشبلي رضي الله عنه عن شيخ الطائفتين الشيخ الجنيد البغدادي رضي الله عنه عن خاله الشيخ السري السقطي رضي الله عنه عن الشيخ معروف الكرخي رضي الله عنه عن السيد الإمام علي الرضا عليه السلام عن أبيه السيد الإمام موسى الكاظم عليه السلام عن أبيه السيد الإمام جعفر الصادق عليه السلام عن أبيه السيد الإمام محمد الباقر عليه السلام عن أبيه السيد الإمام علي زين العابدين عليه السلام عن أبيه سيد شباب الجنة سبط الرسول صلى الله عليه وسلم السيد الإمام الحسين بن علي عليه السلام عن أمير المؤمنين سيدنا مولى الثقلين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ورضي الله عنه وأرضاه عن فخر الكائنات ونور الموجودات سيدنا ومولانا وقـرة أعيننا الرسـول الكريم محمد صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين

وكذلك لها طريق آخر وهو عن الشيخ معروف الكرخي رضي الله عنه عن الشيخ داوود الطائي رضي الله عنه عن الشيخ حبيب العجمي رضي الله عنه عن سيد التابعين الشيخ الحسن البصري رضي الله عنه عن قطب المشارق والمغارب وأسد الله الغالب زوج البتول وابن عم الرسول عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه عن فخر الأنبياء وسيد الأصفياء وميم المحبة وحاء الحكمة وميم المودة ودال الديمومة سيد العرب والعجم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، وهو عن أمين الوحي جبرائيل عليه السلام وهو عمن ليس كمثله شيء وهو السميع البصير رب العزة جل جلاله

شيوخ الشيخ محمد القادري وإجازاته:

لقد أكرم الله تعالى الشيخ بصحبة الكثير من العلماء أهل الفضل وتشرف بنيل الكثير من الإجازات منهم وأذكر من شيوخه وإجازاته ما بلغنا عنه وما سمعناه منه وما وجدناه في مكتبته ومن شيوخه :

الشيخ محمد الهاشمي التلمساني الحسني : وهو أشهر من أن نعرفه فهو العالم الكبير المجدد شيخ شيوخ الشاذلية وهو من كبار العلماء العاملين الذي قدم من بلاد المغرب من تلمسان واستقر في دمشق وكان الشيخ محمد الهاشمي تجمعه صحبه قوية مع الشيخ احمد القادري والد الشيخ محمد فكان يتردد إليه مع والده ثم تتلمذ على يديه وقد سمعت من الشيخ رحمه الله انه قال : كنت أتردد مع والدي إلى الشيخ محمد الهاشمي وكان الشيخ محمد الهاشمي يزور والدي في بيته وكان الشيخ الهاشمي يطلب من والدي الدعاء فيقول له أدعو لك على أن تدع لولدي هذا ويشير إلي . فكان يدع لي دائما وزرته ذات يوم بصحبة الوالد وكنت شديد الإعجاب بالشيخ الهاشمي وكنت اجلس في بيته وهو يتحدث مع والدي وكنت أتفكر في نفسي وأقول لو أن الشيخ محمد الهاشمي يكرمني بإجازة منه ، ولما همنا بالخروج ناداني يا ولدي يا محمد أريدك أن تأتي إلي غدا لوحدك . ثم خرجنا من عنده وفي اليوم الثاني نسيت ما قاله الشيخ لي فإذا بوالدي يقول لي يا محمد اذهب لزيارة الشيخ الهاشمي فتذكرت وخرجت مسرعا إليه فوجدته ينتظرني فجلست وإذا به يحمل أوراقا بيده فأعطاني إياها فقلت ما هذه يا سيدي فقال : هذا طلبك الذي طلبته البارحة فقلت له لم أطلب منك شيئا يا سيدي فقال لي : افتحها وستعرف . ففتحتها وإذا بها إجازة منه قدس الله سره فتغير وجهي وخجلت كثيرا منه ثم خرجت من عنده وقال لي سلم لي على الوالد فخرجت من عنده والفرحة تغمرني ورجعت وقلبي يمتلأ خوفا من الوالد كيف آخذ إجازة من غيره وهو شيخي ويكفيني عن غيره فلما دخلت البيت قال لي يا بني لا عليك فإني كنت اعلم لما طلبك الشيخ ولا تقلق لأني راض ومسرور بهذا ثم شهد للشيخ الهاشمي الولاية والصلاح والعلم

الشيخ محمد مكي الكتاني الحسني : وهو من كبار علماء دمشق رضي الله عنهم وهو مفتي المالكية في دمشق وكان رحمه الله علما من أعلام العلم والولاية وهو من شيوخ الطريقة الشاذلية الكبار وله قدم راسخة في العلم والتربية ويشهد له علماء دمشق بالولاية والعلم أيضا تشرف الشيخ محمد القادري بالإجازة من هذا الشيخ الفاضل رحمه الله تعالى

السيد الشيخ فريز الكيلاني الحسني : وهو من كبار علماء حماة وأولياءها وهو من شيوخ الطريقة القادرية العلية وقد كان للشيخ محمد صحبة معه ونل شرف الإجازة من الشيخ الكتاني رحمه الله تعالى

العلاّمة الفقيه المحدّث أمين فتوى بيروت الشيخ محمد العربي العزوزي الإدريسي الحسني: وهو من كبار علماء بيروت وهو أمين الفتوى في بيروت وله مؤلفات وقد تشرف الشيخ محمد بنيل الإجازة من هذا الشيخ الفاضل رحمه الله تعالى

هؤلاء أهم مشايخ الشيخ محمد القادري الحسني الذين اخذ عنهم الإجازات في الطريقة والعلم الشريف وكانت له خلطة كبيرة مع علماء دمشق وباقي المحافظات الكبار ومن أهم العلماء الذين اختلط بهم وعاصرهم هم :

الشيخ بد الدين الحسني رحمه الله المحدث الفقيه الولي الكبير : حيث أكرم الله الشيخ محمد بان رأى هذا الشيخ وخالطه وحظي بدعائه أكثر من مرة وكما مر ببركة صحبته للشيخ أحمد القادري والشيخ تاج الدين الحسني والشيخ أمين كفتاروا وابنه الشيخ احمد كفتاروا والشيخ ملا رمضان البوطي والشيخ إسماعيل الطرابلسي والشيخ احمد الحارون وعالمي حماة الشيخ محمد الحامد ومحمود الشقفة والشيخ محمد صالح الفرفور والشيخ محمد النبهاني والشيخ عبد القادر عيسى والكثير من علماء عصره وهؤلاء من حضرنا ذكرهم ورضي الله عنهم أجمعين

الشيخ محمد القادري ونقابة الأشراف:

كان الشيخ رحمه الله تعالى نقيب للأشراف في سورية وهذه النقابة ورثها كابرا عن كابر والأسرة القادرية مشهورة ومعروفة بتوارثها لنقابة الأشراف فقد استلم أجداده نقابة الأشراف وتوارثوها وهو ورثها وأخذ الإجازة فيها من والده قدس الله سره حيث كان والده الشيخ أحمد الأخضر القادري نقيب أشارف جزيرة الفرات وكان شهيرا بخبرته بالأنساب الهاشمية وكان يقصد لذلك من كل البلاد وقد تلقى الشيخ محمد هذا العلم الشريف علم الأنساب من والده قدس الله سره فكما ذكرنا عاش خمس وثلاثون سنة من حياته في ظل ورعاية والده ومن ثم انتقلت إليه نقابة أشار فالجزيرة بعد وفاة والده العارف بالله الشيخ أحمد القادري رحمه الله وكان في ذلك الوقت لكل محافظة نقيب أشارف وماتوا الواحد تلو الآخر وكان الشيخ محمد آخر نقيب للأشراف في سورية في محافظة الحسكة فصدر مرسوم جمهوري بتعينه نقيب أشراف سورية وكان رحمه الله له باع كبيرة في نقابة الأشراف وقد رأيت من فيوض علمه بهذا العلم الكثير فعندما يتحدث عن الأنساب وكأنه يتكلم عن أسرته فقد كان ملما بكل الأنساب الحسينية والحسنية الهاشمية وبقي في نقابة الأشراف حتى وفاته رحمه الله وقد خلف من بعده في نقابة الأشراف أخيه وخليفته الشيخ العارف عبيد الله القادري الحسيني قدس الله سره

الشيخ محمد القادري وصبره على المرض والبلاء:

لقد عاش الشيخ محمد رحمه الله جل حياته مكابدا للمرض والبلاء فقد ابتلاه الله تعالى بالمرض منذ عام 1954 حيث أصيب بمرض أكياس في الكبد وهذا المرض صعب العلاج حيث قام الشيخ بإجراء العديد من العمليات الجراحية تصل إلى ثمان أو تسع عمليات من أجل هذا المرض ولكن مشيئة الله شاءت أن يبقى مكابدا المرض منذ عام 1954 وحتى 2003 فقضى تسعة 49 عاما في المرض ومع هذا لم يجزع ولم يغضب ولم يمل بالعكس كان مسلما راضيا بل فرحا ومسرورا وقد من الله علي بمعرفته 12 عاما فما رأيته يوما جزعا أو مالا أو غاضبا لما أصابه بل دائما ترى البسمة تملأ وجهه والرضا يخيم على حاله وإذا سألته عن حاله يقول الحمد لله ويشكر الله على ما أصابه ويقول هذا المرض هدية من الله تعالى فكيف لا نفرح بها وإن الله أراد هذا لنا فلا بد انه الخير لنا فالخير فيما اختاره الله

وكلما خرجنا من عنده يقول لا تنسوني من الدعاء فنقول نسأل الله لك الشفاء فيقول لا يا بني لا أريد هذا منكم بل أدعوا الله وقولوا اللهم رضه بما أصابه فالرضا خير من الصبر فأسأل الله أن أكون راضيا بما أصابني وهذا هو حال المحبين المحبوبين العارفين الواصلين وهنا يحضرني قول النبي صلى الله عليه وسلم : إذا أحب الله عبدا ابتلاه فإن صبر اجتباه فإن رضي اصطفاه. وهذا هو حال الشيخ قدس الله سره كان راضيا بما أصابه وكل راض صابر وليس كل صابر راض فالرضا مقامه أعظم من الصبر وقلة من يفهمون هذا

حتى انه قال يوما لولا أمرنا الله والرسول بالتداوي لما تداويت ولما أجريت عملية واحدة ولكن التداوي واجب على كل مريض ودائما يصبر نفسه ويذكرها ويذكرنا بأقوال النبي صلى الله عليه وسلم ومنها قوله عليه الصلاة والسلام : إذا أحب الله عبدا ابتلاه حتى يسمع تضرعه . فكان الشيخ يلجأ إلى اللهب التضرع ولكن ليس لكي يسأله الشفاء بل ليسأله الرضا وجسن الختام وقد سمعت من سيدي الشيخ عبيد الله القادري قدس سره ذات يوم قال : والله لو أن الشيخ محمد سأل الله وأقسم عليه بالشفاء لشفاه ولكنه كان يسأله الرضا بالبلاء والصبر على ما أصابه ، وحقيقة كان صابرا محتسبا راضيا فرحا مطمئنا بما فيه من بلوى وكان كثيرا ما يردد قول الحبيب صلى الله عليه وسلم : أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلبا اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على قدر دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشى عن الأرض وما عليه خطيئة . وقوله عليه الصلاة والسلام : أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الصالحون، لقد كان أحدهم يبتلى بالفقر حتى ما يجد إلا العباءة يجوبها فيلبسها، ويبتلى بالقمل حتى يقتله ولأحدهم كان أشد فرحا بالبلاء من أحدكم بالعطاء . وقوله عليه الصلاة والسلام : أشد النَّاسِ بَلاَءً الأنبِيَاءَ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ َيلُونَهُمْ . وقوله عليه الصلاة والسلام : أشد الناس بلاء في الدنيا نبي أو صفي

وهكذا كانت مسيرة الشيخ رضي الله عنه وحياته وصبره على البلاء ومع كل هذا المرض لم يمنعه ذلك من التربية والإرشاد والنصح للمسلمين ولم يغلق بابه في وجه احد على مر السنين بل كان يستقبل كل من يقصد زيارته ويقوم من فراشه ويخرج لاستقباله في تكيته المباركة فرضي الله عنه وأرضاه ورحمه الله ورحمنا به

وفاة الشيخ محمد القادري رحمه الله:

ولد الشيخ محمد القادري رحمه الله في أواخر سنة 1338 الموافق لعام 1919 للميلاد وعاش حياة مليئة بالعلم والسلوك والأدب وربى الكثير من الأجيال والتلاميذ ونشر الطريقة القادرية وكان له قدم صالحة في الطريق إلى الله وكان من الأخفياء الأتقياء الذي لم يطلبوا سمعة ولا شهرة بل طلبوا الله عز وجل وأرادوا ذلك بصدق وإخلاص وبذلوا كل جهدهم لهذا وكل من عرفه رحمه الله لم يسعه إلا أن يحبه ويجله ويقدره رغما عنه

وكانت وفاته رحمه الله تعالى في شهر رمضان لسنة 1424 الموافق لشهر تشرين الثاني 2003 عن عمر يناهز أربع وثمانين سنة كانت كلها سلوك إلى الله وصبر على البلاء وتربية للمريدين فسلام الله عليه ورحمته وبركاته

هكذا كانت حياة هذا الشبل العظيم نجل العارف الكبير الولي الجليل الشيخ القطب الكبير أحمد الأخضر القادري رحمهم الله جميعا

ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون

نقلاً عن كتاب

الكنوز النوارنية من أدعية وأوراد السادة القادرية

للشيخ مخلف العلي الحذيفي القادري

حقوق النشر والطباعة محفوظة للمؤلف

شاهد سيرة وترجمة الشيخ فيديو