جديد الموقع
مقالات الشيخ القادري => كيفية سلوك الطريقة ۞ دعاء يوم الجمعة => أوراد الأيام للإمام الجيلاني ۞ دعاء يوم السبت => أوراد الأيام للإمام الجيلاني ۞ دعاء يوم الأحد => أوراد الأيام للإمام الجيلاني ۞ دعاء يوم الاثنين => أوراد الأيام للإمام الجيلاني ۞ دعاء يوم الثلاثاء => أوراد الأيام للإمام الجيلاني ۞ دعاء يوم الاربعاء => أوراد الأيام للإمام الجيلاني ۞ دعاء يوم الخميس => أوراد الأيام للإمام الجيلاني ۞ حزب صلاة العشاء => أوراد الصلوات للإمام الجيلاني ۞ حزب وقت الإشراق => أوراد الصلوات للإمام الجيلاني ۞
المادة

مقالات الشيخ القادري

الكاتب: مخلف العلي القادري

تاريخ النشر: 24-02-2025 القراءة: 233

الواجب على المريد المبتدئ عند الإمام الجيلاني

إن أفضل ما نبدأ به هذا الكتاب هو ما قرره إمام طريقتنا، سيدنا الشيخ عبد القادر الجيلاني، قدّس الله سره العالي، في كتابه: (الغنية لطالبي طريق الحق والدين)، حيث أوضح فيه ما يجب على السالك المبتدئ في هذه الطريقة المباركة، ليكون ذلك نبراسًا يضيء لنا الطريق، ودليلًا نهتدي به في هذا الكتاب، فنقول، مستعينين بالله ومتكلين عليه:

يقول إمام الطريقة الشيخ عبد القادر الجيلاني في الغنية: فالذي يجب على المبتدئ في هذه الطريقة: الاعتقاد الصحيح، الذي هو الأساس، فيكون على عقيدة السلف الصالح أهل السنة القديمة، سنة الأنبياء والمرسلين والصحابة والتابعين والأولياء والصديقين، على ما تقدم ذكره وشرحه في أثناء الكتاب.

فعليه بالتمسك بالكتاب والسنة، والعمل بهما أمراً ونهياً، أصلاً وفرعاً، فيجعلهما جناحيه يطير بهما في الطريق الواصل إلى الله عز وجل، ثم الصدق، ثم الاجتهاد، حتى يجد الإرشاد إليه والدليل، وقائداً يقوده، ثم مؤنساً يؤنسه، ومستراحاً يستريح إليه في حالة إعيائه ونصبه وظلمته، عند ثوران شهواته ولذاته وهنات نفسه، وهواه المضل، وطبعه المجبول على التثبط، والتوقف عن السير في الطريق.

قال الله عز وجل: ﵟوَٱلَّذِينَ جَٰهَدُواْ فِينَا لَنَهۡدِيَنَّهُمۡ سُبُلَنَاۚﵞ([1])، وقال الحكيم: «من طلب وجد، وجد»، فبالاعتقاد يحصل له علم الحقيقة، وبالاجتهاد يتفق له سلوك الحقيقة.

ثم يجب عليه أن يخلص مع الله عز وجل عهداً، بأن لا يرفع قدم في طريقه إليه ولا يضعها إلا بالله، ما لم يصل إلى الله، فلا ينصرف عن قصده بملامة مليم، لأن الصادق لا يرجع ولا بوجود كرامة، فلا يقف معها ويرضى بها عن الله عز وجل عوضاً؛ إذ هي حجابه عن ربه ما لم يصل إليه عز وجل، فإذا حصل الوصول لا تضره الكرامات؛ إذ هي من باب القدرة وثمراتها وعلاماتها، ووصوله إلى الحق عز وجل من القدرة، فلا ينقض الشيء نفسه، وكيف وقد يصير هو حينئذٍ قدوة في الأرض وخرق عادة، وكلامه حكمة بالغة من بعد جهل وعجمة وبلادة وقصور، وحركاته وسكناته وتصاريفه عبرة لمن اعتبرها، وأفعال الله تجري فيه وعليه مما يبهر العقول.

ثم قد يؤمر حينئذ بطلب الكرامة ويجبر عليها، وتحقق عنده أن دماره وهلاكه في ترك الطلب ومخالفة هذا الأمر، وثباته وبقائه وعبادته وقربته ومرضاة ربه ودنوه منه وزيادة محبة ربه له في طلبها وامتثال أمره فيها، فكيف تضره الكرامة حينئذ أن يكون ذلك بينه وبين ربه عز وجل، ولا يظهره لأحد من العوام، إلا أن يغلب عليه ظهوره، لأن من شرط الولاية كتمان الكرامات، ومن شروط النبوة والرسالة إظهار المعجزات، ليقع بذلك الفرق بين الولاية والنبوة،

ولا ينبغي له أن يعرج في أوطان التقصير، ولا يخالط المقصرين والباطلين أبناء قيل وقال، أعداء الأعمال والتكاليف، المدعين للإسلام والإيمان، الذين قال الله عز وجل في حقهم: يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفۡعَلُونَ 2 كَبُرَ مَقۡتًا عِندَ ٱللَّهِ أَن تَقُولُواْ مَا لَا تَفۡعَلُونَ 3([2]).

وقال في أختها: ﵟأَتَأۡمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلۡبِرِّ وَتَنسَوۡنَ أَنفُسَكُمۡ وَأَنتُمۡ تَتۡلُونَ ٱلۡكِتَٰبَۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَﵞ([3]).

وينبغي له أن لا يضن ببذل الميسور، ولا يبخل بالموجود، خوفاً أن ينال مثله للإفطار والسحور، ويقطع في نفسه وبقلبه علماً بأن الله لم يخلق ولياً له في سالف الدهور بخيلاً ببذل الميسور.

وينبغي له أن يرضى بالذل الدائم وحرمان النصيب، والجوع الدائم والخمول، وذم الناس له، وتقديم أضرابه وأشكاله وأقرانه عليه في الإكرام والعطاء، والتقريب عند الشيوخ، ومجالس العلماء، فيجوع هو والجماعة يشبعون، والكل أعزاء ونصيبه الذل، ومن لم يرض بهذا ويوطن نفسه عليه فلا يكاد أن يفتح عليه ويجيء منه شيء، فالنجاح الكلي والفلاح فيما ذكرنا.

وينبغي له أن لا ينتظر من الله مطلوباً، سوى المغفرة لما سلف من الذنوب، والعصمة فيما يأتي من الدهور، والتوفيق لما يحبه من الساعات، ويوصله إليه من القربات، ثم الرضا عنه في الحركات والسكنات، والتحبب إلى الشيوخ من الأولياء والأبدال؛ إذ ذاك سبب لدخوله في زمرة الأحباب، ذوي العقول والألباب، الذين عقلوا من رب الأرباب، واطلعوا على العبر والآيات، فصفت حينئذ القلوب والضمائر والنيات.

فهذا الذي ذكرته في صفة المريد، وما لم يتجرد قلبه عن جميع الطلبات والمآرب، وينتفي عن غيرها ما ذكرنا من الحوائج والمطالب، لا يكون مريداً على نعت الاستحقاق([4]).



(1) سورة العنكبوت، الآية: (69).

(1) سورة الصف، الآية: (2-3).

(1) سورة البقرة، الآية: (44).

(2) الغنية لطالبي طريق الحق والدين: (2/277).