اختلاف الأمة المضحك المبكي
الكاتب: الشيخ القادري
اختلاف الأمة المضحك المبكي
بقلم مخلف العلي القادري الحسيني
بسم الله
الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه
وسلم تسليماً كثيراً وبعد:
من ينظر ويتفكر في واقع الأمة اليوم فسيجده وبكل وضوح هو الواقع
المضحك المبكي، في أمة ممزقة الأوصال من حيث الجغرافية، وممزقة المواقف من حيث
التاريخ، وممزقة الفكر من حيث الدين، وممزقة الولاء من حيث الانتماء، هذا هو حال
أمتنا وللأسف هو الواقع الحقيقي الذي لا مفر منه، ولا يسعني في هذا المقال إلا
تذكر قول الشاعر الذي يقول:
ماذا دهاكم سادتي ماذا جرى فغدوتمُ تتقدمون إلى الوراء
هل هذا هو حال أمة محمد صلى
الله عليه وسلم، هل الاختلاف هو السبب أم نفوس المختلفين، أليس الله هو الذي خلقنا
وجعل الاختلاف سنة الله في كونه، ألم يبين لنا الله تعالى في كتابه هذا الأمر.
فقال في سورة المائدة: (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ
شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا
آَتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً
فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ).
وقال في سورة النحل: (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ
لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ
وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ).
وقال في سورة الشورى: (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ
لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ
مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ).
وقال في سورة هود: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ
لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ).
هذه أربعة نصوص في كتاب الله تبين أن مشيئة الله هي اختلاف الناس،
فأتعجب من أناس يريدون جعل الناس أمة واحدة، وهذا من المستحيلات، فكيف يجعلونه
هدفاً تضطرب الأمة كلها أيما اضطراب وهو أمر لن يكون، والنصوص في هذا كثيرة جداً،
فهل يجعلنا الاختلاف نصل إلى ما نحن عليه اليوم.
والآن تعالوا معي لنرى ما هي نتائج الاختلاف عند أصحاب النفوس المريضة:
· هل بغض الصوفية وكرههم يبرر الانتقاص من أولياء الله تعالى ومنهج الصالحين ومحاربتهم وأذيتهم بكل السبل والطرق وتكفيرهم واخراجهم من الملة.
· هل كره الشيعة ومواجهتهم تبرر الانتقاص من آل بيت النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، سواءً بقصد أو بدون قصد بمجرد مغالاة الشيعة فيهم ولا ذنب لهم.
· هل كره الوهابية والسلفية يبرر الوقوف مع الباطل أو ضد الحق لمجرد أن صاحبه يكره الوهابية.
· هل الحب لآل البيت يبرر بغض صحابة النبي صلى الله عليه وسلم.
· هل حب الصحابة يبرر الانتقاص من آل البيت.
· هل كره الحكام والملوك والأمراء يبرر إفساد البلاد وتشريد العباد والاستعانة بكل شي من دول وأشخاص وأسباب وأساليب، حتى حللنا ما حرم الله وحرمنا ما أحل الله في سبيل الوصول لغايتنا.
· هل صراعنا فيما بيننا يبرر للجميع موالاة اليهود والنصارى والغرب الذي نعرف جميعنا مدى حقده علينا وتآمره علينا منذ بعث الله النبي صلى الله عليه وسلم.
أليس هذا واقنا المرير يا أمة الإسلام، بالله عليكم تفكروا في النقاط
التي ذكرتها واحسبوا وتفكروا كم دم سفك في سبيل هذه الأفكار، كم تفرقنا وتشعبنا
نتيجة هذه الأفكار.
نعم بالتأكيد لكل واحد ممن سبق ذكرهم أخطاء واختلافات، منها ما يقبل
ومنا ما لا يقبل، ولكن ليس الحل الصحيح هو ما نراه اليوم، لأن شريعتنا وضحت لنا كل
شيء، وقال ربنا عز وجل :(مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ
مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ )، فنبينا صلى الله عليه
وسلم جاءنا بكتاب عظيم من رب عظيم بين لنا التعامل مع الكافر والمشرك والملحد، بل
وحتى مع من يحارب الله ويدعي الربوبية والإلوهية، وبالتالي لابد أن نسأل أنفسنا
سؤالاً واضحاً، أليس في ديننا ما فيه الحل الأمثل لما يحدث؟ بلا ولكننا لا نريد،
لأن كل واحد منا تعصب لفكره ونسي حال الأمة ومصلحتها.
ولكني أقول لكل واحد ينطق بلا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله
عليه وسلم، أليس لنا كتاب واحد نؤمن به وندين به ونبي واحد نؤمن به ونتبعه، وقبلة
واحدة نتوجه إليها.
لقد تكلم الله عن الكفر بالله وهو أعلى درجات الكبائر فقال: (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ
وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ)، فكيف يكون التضييق على ما هو أدنى منه، وليس
هذا تبرئة وتبريراً لمن خالف في أصول الدين، لا وأعوذ بالله من أن أكون من
الجاهلين، ولكن يجب أن نراعي ما هو مختلف فيه، فهناك أموراً مجمعٌ عليها بالحرام
أو الكفر أو المخالفة، وهذه لا تقاس بما تراه أنت وفق منهجك وعقيدتك، ويجب أن يكون
التعامل بناءً على هذا، فهناك أمور يراها الأشاعرة صحيحة ويراها السلفية باطلة فلا
يحق للسلفي أن يفسد حال الأمة من أجل هذا ويراعي الخلاف.
والخلاصة يجب أن يراعي بعضنا بعضاً للخروج من هذه الدائرة التي دخلت
بها الأمة.
وكذلك خاطب الله نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم فقال: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ
الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ
ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)، وهذا نص يأمر
نبينا بالحكمة والموعظة الحسنة مع الكفار فكيف نضيعها مع المسلمين، وقال الله
مخاطباً موسى وهارون: (فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا
لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى)، فكيف لا نستعمل اللين مع المسلمين
مهما كانت المخالفة، وقد أمر الله به أنبياءه مع مدعي الربوبية.
وفي الأخير: أقول لك مسلم ينطق بالشهادتين مهما كان
مذهبه وعقيدته وانتمائه، انظر إلى حال المسلمين في البلاد، لا توجد دماء تراق إلا
دماء المسلمين، لا يوجد بلد تدار فيها المعارك إلا بلاد المسلمين، انظر وتفكر حولك
أيها المسلم، انظر بعينك وارحم بقلبك، ارحم نفسك وارحم غيرك واتق الله في الأمة،
انظر كيف تولى الجميع أهل الكفر، فكل التيارات والفرق المتقاتلة تتولى الكفار ولم
يبقى أحد بريء، فلا يوجد فصيل مقاتل ولا مسالم إلا ووقع في الخطأ نفسه وكل واحد
يبرر لنفسه بمخالفة غيره، ويتذرع بالضرورات التي لا تبيح المحظورات؟؟؟
والمبكي أن كل الحروب بين المسلمين فيما بينهم، وعدوهم ينظر وينتفع ويقود ويسود؟؟؟
· انظر كيف امتلأت بلاد الكفر بالمسلمين بسبب الهجرة لأسباب مختلفة؟؟؟
· انظر كيف يذل المسلمين على حدود البلاد الأوربية في كل يوم؟؟؟
· انظر إلى المخيمات التي تمتلئ باللاجئين في كثير من البلدان؟؟؟
· انظر إلى السجون التي امتلأت بالمسلمين صغاراً وكباراً نساءً ورجالاً؟؟؟
· انظر إلى المجاعات والعوز التي يعاني منها المسلمون في البلاد التي فيها حروب؟؟؟
· انظر إلى حال المسلمين كيف يتصارعون بكل المجالات دون جدوى؟؟؟
· انظر كيف صارت تتلاعب بنا أمريكا وروسيا وأوربا؟؟؟
أخي المسلم المخالف لأخيك:
اخاطبك مهما كانت صفتك صوفي شيعي وهابي أشعري اباضي ظاهري زيدي عالم
متعلم شيخ مريد بكل الأسماء والصفات والمذاهب، أخاطب فيك لا إله إلا الله محمد
رسول الله، انظر بقلبك ورحمتك لكي تعذر غيرك، ولكن إن نظرت بعقلك ومذهبك فالكوارث
تزداد.
واذكرك بقول النبي صلى الله عليه وسلم: لزوال الكعبة
أهون عند الله من دم امرءٍ مسلم
اللهم اجمع كلمتنا، اللهم وحد صفوفنا، اللهم جنبنا الفتن ما ظهر منها
وما بطن، اللهم ألف بين قلوبنا واكفنا شر اعداءنا ما علمنا منهم ومالم نعلم، اللهم
احقن دماء المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها امين. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى
آله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين.
بقلم مخلف العلي القادري
الحسيني
المقال السابق اختلاف الأمة المضحك المبكي | المقالات المتشابهة | المقال التالي الوفاء لأهل العطاء |
جميع الحقوق محفوظة للطريقة القادرية العلية