الشيخ محمد الأكحل القادري
الكاتب: الشيخ القادري
الشيخ محمد الأكحل القادري
الكيلاني
ومن مشايخ
الطريقة القادرية العلية، العارف بالله الشيخ الإمام القدوة أبو الكرم شمس الدين محمد الأكحل الحيالي السنجاري القادري الكيلاني الحسني، ابن الشيخ
أبي الفضل حسام الدين شرشيق ابن الشيخ جمال الدين محمد الهتاك، بن الشيخ أبي بكر
عبد العزيز ابن الشيخ عبد القادر الجيلاني.
ولد رضي الله عنه ليلة الجمعة منتصف شهر رمضان سنة: (651هـ) ، في بلدة الحيال، توفي والده بعد ولادته بأربعة شهور تقريباً، وهو طفيل رضيع، فنشأ وتربى
يتيماً، وكفله بعض تلاميذ والده. فنشأ نشأة صالحة، وأقبل على العلوم والمعارف
والتصوف والسلوك منذ الصغر، وكان والده قد أجازه قبل موته بالطريقة القادرية
صغيراً؛ فجلس على مشيخة وسجادة الطريقة القادرية خلفاً عنه.
ورحل إلى حلب والشام
والحجاز، وسمع من علمائها، وسمعوا منهم، وكان محدثاً، فقيهاً على مذهب الإمام أحمد
بن حنبل، وحج أكثر من مرة، الأولى كانت في سنة: (684هـ)، والثانية سنة: (722هـ).
قال عنه الذهبي: «حفظ القرآن
العظيم في صباه، والفقه للإمام أحمد، وسمع الحديث وهو كثير من جماعة، منهم الإمام
فخر الدين أبو الحسن علي بن أحمد بن عبد الواحد البخاري المقدسي بدمشق، وأبو العباس
أحمد بن محمد النصيبي بحلب، والإمام عفيف الدين أبو محمد عبد الرحيم بن محمد بن
أحمد بن الزجاج بمكة، والإمام عفيف الدين أبو محمد عبد السلام بن محمد بن كزروع
المصري البصري بالمدينة الشريفة، ورحل وحدث ببغداد ودمشق والحيال وغيرها من البلاد.
ويقول
الإمام الجزري في تاريخه: «وفي يوم السبت الثاني من شهر رمضان سنة: (722هـ)، ورد إلى دمشق الشيخ
الصالح شمس الدين محمد بن حسام الدين شرشيق ابن الشيخ الصالح محمد ابن الشيخ أبي
بكر عبد العزيز ابن الشيخ الإمام القدوة أبي محمد عبد القادر بن أبي صالح الجيلي،
ونزل بالزاوية السلاوية قاصداً الحج، ... فلما قدم أكرم بحلب ودمشق وغيرها من
البلاد وتلقاه الفقراء والمشايخ وحضر عنده أعيان الناس، واجتمع بنائب السلطنة،
ولبس منه خلق كثير الخرقة القادرية، وحضر جامع دمشق يوم تكملة قراءة البخاري، بقراءة
ابن البرزالي على الحجار وسمع منه الناس».
ويقول
الإمام الفزاري في تاريخه: واجتمعت بالشام بالشيخ شمس الدين محمد، من أولاد الشيخ عبد القادر، المقيم
بسنجار، ووصل إلى الشام بقصد الحج، فحج ورجع عازماً على العود إلى وطنه، وهو شاب
حسن الشكل حسن العبارة، عنده تواضع وظرف من علم الشريعة، وسمعت الجماعة يثنون
عليه، وحدثني أن التتار يحترمون جماعتهم في البلاد ويرعون جانبهم ويقبلون شفاعتهم،
قال: وكان اجتماعي به سنة (685هـ)، لما رجع إلى دمشق من الحج .
ويقول الحسن بن عمر في
تذكرة النبيه: كان حبراً أديباً عارفاً معظماً مبجلاً علي القدر رفيع المنزلة، وله
وجاهة وحرمة بين الناس، سمع بدمشق من ابن البخاري وبحلب من ابن النصيبي وبالمدينة
من عبد السلام ابن مزروع وبمكة من عبد الرحيم بن الزجاج، ودخل بغداد وحدث بها،
وقدم إلى حلب المحروسة سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة قاصدا الحجاز الشريف، ونزل
بمشهد الفردوس ظاهرها، وتلقاه المشايخ والفقراء وحضر إليه أعيان الناس وأكرم غاية
الإكرام، ولبست منه الخرقة المباركة أنا وإخوتي صحبة والدي رحمه الله تعالى. .
وقال عنه
ابن رافع: «وفي سلخ ذي القعدة توفي
الشيخ الصالح الأصيل شمس الدين أبو الكرم محمد ابن الشيخ حسام الدين شرشيق بن
محمد بن عبد العزيز ابن الإمام عبد القادر بن أبي صالح الجيلي بقرية حيال من بلد
سنجار ودفن من يومه عند ابيه وجده وجد أبيه، ومولده في سنة إحدى وخمسين وست مئة، سمع
بدمشق من ابن البخاري وبحلب من ابن النصيبي وبالمدينة النبوية من عبد السلام بن
مزروع وبمكة من عبد الرحيم بن الزجاج، وقدم دمشق سنة اثنتين وعشرين وسبع مئة وحدث
بها وله مدة في المشيخة، ودخل بغداد وحدث بها، وموته في ذي القعدة هو الصحيح كما
كتبته أخبرني بذلك من حضر جنازته وقيل في ثاني ذي الحجة» . وقال ابن رافع أيضاً: «كان حسن الخلق
والخلق فاضلا زاهداً عابداً من أهل السنة، له وقع في القلوب وجلالة، وفيه إيثار
وله وجاهة، وللناس فيه اعتقاد زائد» .
وقال
الحافظ الذهبي في ذيل تاريخه: «كان ذا زهد وصلاح واتباع وصدارة كبيرة في تلك البلاد ووجاهة، وكان
مقصودا بالزيارة لفضله ولبيته، وله عقل وافر، وفيه تواضع وخير، عمر دهراً» . ويقول الذهبي: «هو
شيخ بلاد الجزيرة، الإِمام القدوة، كان عالمًا صالحًا وقورًا، وافر الحرمة
والجلالة، حَجَّ مرتين، وروى عن الفخر علي بدمشق وبغداد» .
يقول الصفدي:
«كان مشهوراً بالصلاح والعبادة والزهد
والسماح، يكاثر الغمام إذا سح، ويتحقق البحر الزاخر معه أنه شح. وله هيبة في
النفوس وعليه وقار وناموس، يعظمه الناس وهو لا يعبأ بأمرهم، ولا يلتفت إلى شواظ
نارهم ولهيب جمرهم، وكان ملوك دار بكر يحبونه ويخدمونه ويحيونه ويقبلون إشاراته
ويقبلون على رسائله وإماراته، ولهم فيه اعتقاد وانتفاء لما يؤثره منهم وانتقاد، ومع
ذلك مليح الخلق، صبيح الخلق، زائد الحشمة، كثير الإحسان للناس والخدمة». وقال أيضاً: وبيته بيت رياسة
وحشمة وسؤدد ومروءة. والخير والإحسان معروف بهم، ولم تمس يد هذا الشيخ شمس الدين
من نشأته إلى موته فضة ولا ذهباً، وجوده في تلك البلاد مشهور، وكان له كشف وأحوال وحلم
وتجمل، وهو وأهل بيته معروفون بمناصحة الإسلام، ويكاتبون ملوك مصر ونواب أطراف
بلاد الشام، ولما كنت في الرحبة سنة تسع وعشرين وسبع مئة وما بعدها أهديت إليه
قماشاً إسكندرياً وأهدى إلي أشياء من طرائف سنجار، ولم تزل رسله مدة مقامي بالرحبة
تتردد إلى الرحبة وأخدمهم وأقوم بما يجب لأجله. وقال أيضاً: «وروى عنه جماعة منهم أولاده المشايخ حسام الدين عبد العزيز، وبدر
الدين حسن، وعز الدين الحسين، وظهير الدين أحمد، ومحدث العراق تقي الدين أبو
الثناء محمود بن علي بن محمود الدقوقي الحنبلي، والشيخ الإمام زين الدين أبو الحسن
علي بن الحسين بن شيخ العوينة الموصلي الشافعي، والإمام بدر الدين محمد بن الخطيب
الإربلي الشافعي، وخلق» .
واعلم أن الشيخ محمد شمس
الدين الأكحل هو الجد الجامع لقبيلة الحياليين في العراق وغيرها، وإليه ترجع ذرية
الشيخ عبد القادر من ولده عبد العزيز، وبه تتصل جميع الأسانيد القادرية من فرع
الشيخ عبد العزيز الكيلاني، رضي الله تعالى عنهم أجمعين، عاش عمره كله بالعلم
والتعليم، والإرشاد والسلوك، زاهداً عابداً مجاهداً نفسه بالخلوات والرياضات،
وانتشرت الطريقة القادرية على يديه في كثير من البلاد العربية والإسلامية، وبقي
على هذا الحال حتى وافته المنية، والتحق بالرفيق الأعلى، وكان قد أضر بعينيه قبل
وفاته بست سنين، وهو من خيرة الذرية القادرية.
وقال فيه
ابن حجر: «حفظ
القرآن وتفقه، وسمع بدمشق من الفخر ابن البخاري وغيره، وحدث بدمشق وبغداد والحيال،
وكان مشهوراً بالصلاح والعبادة والسماح، ولم يمس كفه ذهباً ولا فضةً في طول عمره؛
من الجود المفرط والحشمة والإحسان للناس والتودد، وكان هو وأهل بيته معروفين
بمناصحة الإسلام والمسلمين» .
يقول الإمام
الذهبي: «ومات شيخ بلاد الجزيرة
الإمام القدوة شمس الدين محمد بن شرشيق بن محمد بن عبد العزيز بن الشيخ عبد القادر
الجيلي في أول ذي الحجة بقرية الجبال من عمل سنجار عن تسع وثمانين سنة. وكان
عالماً، صالحاً، وقوراً، وافر الجلالة، حج مرتين. وروى عن الفخر علي بدمشق،
وببغداد، وخلف أولاداً كباراً، لهم كفاية وحرمة» .
أما وفاته رضي الله عنه:
فكانت في يوم الجمعة، الثاني من ذي الحجة سنة: (739هـ)، في بلدته الحيال ، عن تسع وثمانين سنة، ودفن مع والده
وجده.
وللشيخ عقب
مبارك وهم: السيد حسام الدين عبد العزيز، والشيخ بدر الدين حسن، والشيخ عز الدين
حسين، والشيخ ظهير الدين أحمد.
وخليفته على
الطريقة من بعده هو ابنه الشيخ بدر الدين الحسن.
المصدر:
الأنوار
الجلية من سير وتراجم رجال الطريقة القادرية العلية
للشيخ
مخلف العلي القادري الحذيفي الحسيني