جديد الموقع
الشيخ أبو بكر القادري => سير مشايخ الطريقة ۞ أهم مشاكل التصوف المعاصر => مقالات في التصوف ۞ اختلاف الأمة المضحك المبكي => مقالات الشيخ القادري ۞ آداب المريدين => مؤلفات الشيخ القادري ۞ دعاء عظيم للحمل والذرية => فوائد ومجربات ۞ الصلاة الكبرى للجيلاني => مؤلفات الشيخ القادري ۞ الحرز الجامع والسيف المانع => مؤلفات الشيخ القادري ۞ درس تجربة => دروس ومحاضرات فيديو ۞ الوفاء لأهل العطاء => التعريف بشيوخ الطريقة ۞ تبصرة المسلمين وكفاية المحبين => مؤلفات الشيخ القادري ۞
الورد

شروط الدعاء وموانع الإجابة

الكاتب: الشيخ مخلف العلي القادري

تاريخ النشر: 11-06-2022 القراءة: 1471

شروط الدعاء وموانع الإجابة

أورد الإمام القرطبي رحمه الله تعالى في كتابه ((الجامع لأحكام القرآن)) كلاماً عظيماً في تفسير قول الله تعالى:﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ([1])، وهو يكفي لبيان شروط الدعاء وأركانه وموانعه، وإليك هذا الكلام الطيب: أوحى اللّه تعالى إلى داود أنْ قل للظلمة من عبادي لا يدعوني؛ فإني أوجبت على نفسي أنْ أجيب من دعاني، وإني إذا أجبت الظلمة لعنتهم. وقال قوم: إنَّ اللّه يجيب كل الدعاء، فإما أن تظهر الإجابة في الدنيا، وإما أن يُكفِّر عنه، وإما أن يَدَّخِرَ له في الآخرة، لما رواه أبو سعيد الخدري رضي الله عنْه قال: قال رسول اللّه صلى الله عليهِ وآله وسلم: ما مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إثْمٌ، ولا قَطِيعَةُ رَحِمٍ إلاَّ أَعْطَاهُ اللّهُ بِهَا إحدَى ثَلَاث: إمَّا أنْ يُعَجِلَ لَهُ دَعْوَتَهُ وإمَّا أنْ يَدَّخِرَ لَهُ وإمَّا أنْ يَكُفَّ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ بِمِثْلِهَا. قَالُوا: إذنْ نُكْثِرَ؟ قال: اللهُ أَكْثَر([2]).

قال القرطبي: وقال ابن عباس: كل عبد دعا استجيب له؛ فإن كان الذي يدعو به رزقاً له في الدنيا أعطيه، وإن لم يكن رزقا له في الدنيا ذُخِرَ له. قلت(القرطبي): وحديث أبي سعيد الخدري وإن كان إذناً بالإجابة في إحدى ثلاث فقد دل على صحة ما تقدم من اجتناب الاعتداء المانع من الإجابة، حيث قال فيه: (مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ) وزاد مسلم: (مَا لَمْ يَسْتَعْجِلْ) رواه عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليهِ وآله وسلم أنه قال: لاَ يَزَالُ يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ مَا لَمْ يَسْتَعْجِلْ. قِيلَ: يَا رَسُولَ اللّهِ! مَا الاسْتِعْجَالُ؟ قَالَ: يَقُولُ: قَدْ دَعَوْتُ، وَقَدْ دَعَوْتُ، فَلَمْ أَرَ يَسْتَجِيبُ لِي، فَيَسْتَحْسِرُ عِنْدَ ذَلِكَ، وَيَدَعُ الدّعَاءَ. وروى البخاري ومسلم وأبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنْه أن رسول اللّه صلى الله عليهِ وآله وسلم قال: يُسْتَجَابُ لأحَدِكُمْ ما لَمْ يَعْجَلْ فَيَقُولَ: قَدْ دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لي.

قلت(القرطبي): ويمنع من إجابة الدعاء أيضاً: أكل الحرام وما كان في معناه، قال صلى الله عليهِ وآله وسلم: الرّجُلُ يُطِيلُ السّفَرَ أشْعَثَ أغْبَرَ يَمُدّ يَدَهُ إلَى السّمَاءِ يَا رَبّ يَا رَبّ وَمَطْعَمُهُ حَرَامُ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ فَأنّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ([3]).

وهذا استفهامٌ على جهة الاستبعاد من قبول دعاء من هذه صفته، فإن إجابة الدعاء لا بد لها من شروط في الداعِ وفي الدعاء وفي الشيء المدعو به، فمن شرط الداعي أن يكون عالماً بأن لا قادر على حاجته إلا اللّه، وأن الوسائط في قبضته ومسخرة بتسخيره، وأن يدعو بنية صادقة وحضور قلب؛ فإن اللّه لا يستجيب دعاءً مِن قلبٍ غافلٍ لاهٍ، وأن يكون مجتنباً لأكل الحرام، وألاَّ يملَّ من الدعاءِ.

ومن شرط المدعو فيه أن يكون من الأمور الجائزة الطلب والفعل شرعاً، كما قال: (مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ) فيدخل في الإثم كل ما يأثم به من الذنوب، ويدخل في الرحم جميع حقوق المسلمين ومظالمهم.

وقال سهل بن عبد الله التستري رحمه الله تعالى: شروط الدعاء سبعة: أولها التضرع والخوف والرجاء والمداومة والخشوع والعموم وأكل الحلال .

وقال ابن عطاء الله السكندري رحمه الله تعالى: إنَّ للدعاء أركاناً وأجنحةً وأسباباً وأوقاتاً، فإن وافق أركانه قَـوي، وإنْ وافق أجنحته طار في السماء، وإن وافق مواقيته فاز، وإن وافق أسبابه نجح، فأركانه حضور القلب والرأفة والاستكانة والخشوع، وأجنحته الصدق، ومواقيته الأسحار، وأسبابه الصلاة على سيدنا محمد صلى الله عليهِ وآله وسلم.

وقيل: شرائطه أربع: أولها حفظ القلب عند الوحدة، وحفظ اللسان مع الخلق، وحفظ العين عن النظر إلى ما لا يحل، وحفظ البطن من الحرام.

وقيل لإبراهيم بن أدهم رحمه الله تعالى: ما بالنا ندعو فلا يستجاب لنا؟ قال: لأنكم عرفتم اللّه فلم تطيعوه، وعرفتم الرسول r فلم تتبعوا سنته، وعرفتم القرآن فلم تعملوا به، وأكلتم نعم اللّه فلم تؤدوا شكرها، وعرفتم الجنة فلم تطلبوها، وعرفتم النار فلم تهربوا منها، وعرفتم الشيطان فلم تحاربوه ووافقتموه، وعرفتم الموت فلم تستعدوا له، ودفنتم الأموات فلم تعتبروا، وتركتم عيوبكم واشتغلتم بعيوب الناس.

وقال علي رضي الله عنْه لنوف البكالي: يا نوف! إن اللّه أوحى إلى داود أنْ مُرْ بني إسرائيل ألا يدخلوا بيتا من بيوتي إلا بقلوب طاهرة، وأبصار خاشعة، وأيـدٍ نقية، فإني لا أستجيب لأحدٍ منهم، ما دام لأحـدٍ من خلقي مظلمة. يا نوف! لا تكونن شاعراً، ولا عريفاً، ولا شرطياً، ولا جابياً، ولا عشاراً؛ فإن داود قام في ساعة من الليل فقال: إنها ساعة لا يدعو عبد إلا استُجيب له فيها، إلا أن يكون عريفاً، أو شرطياً، أو جابياً، أو عَشَّاراً، أو صاحب عرطبةٍ وهي الطنبور، أو صاحب كوبةٍ وهي الطبل([4]).

قال علماؤنا: ولا يقل الداعِ: اللهم أعطني إنْ شئت، اللهم اغفر لي إنْ شئت، اللهم ارحمني إن شئت، بل يُعري سؤاله ودعاءه من لفظ المشيئة، ويسأل سؤال من يعلم أنه لا يفعل إلا أن يشاء.

نقلاً عن كتاب

الكنوز النورانية من أدعية واوراد السادة القادرية

للشيخ مخلف العلي القادري الحسيني

حقوق النشر محفوظة للمؤلف والموقع

1) البقرة 186.

2) رواه أحمد والحاكم وصححه وأبو يعلى والبزار والطبراني في الأوسط .

4) رواه مسلم والترمذي والإمام أحمد عن أبي هريرة.

5) العريف : القائم بأمر القوم. العشَّار: مَنْ يَأْخُذُ عَنِ السِّلَعِ مَكْساً، أَيْ عُشْرَهَا.