نشأة الطريقة القادرية العلية
الكاتب: الشيخ مخلف العلي القادري
نشأة الطريقة القادرية
إن أردنا التكلم عن أصل الطريقة القادرية وأصل منشأها، وكذلك
سائر الطرق العلية، فإن أصلها يرجع إلى صدر الإسلام، إلى شريعة محمد بن عبد الله
صلى الله عليه وآله وسلم الذي
جاءنا بالشريعة من الله، فكل الطرق بالمعنى الذي بيناه في معنى الطريقة يرجع إلى
ذلك الأصل العظيم، وكل الطرق الصوفية ترجع بأسانيدها إلى عصر النبوة، فلا فرق
بينها أبداً، وهي موجودة منذ ذلك العصر وامتدت واستمرت إلى عصر التابعين ومن جاء
من بعدهم حتى وصلت إلينا، مع العلم أنها لم تكن تسمى بأسمائها التي نعرفها بها
الآن، وعرفت بأسمائها فيما بعد، وسميت كل طريقة نسبة إلى مجددها ومؤسسها وإمامها
الذي استطاع أن يضع لها الأسس والآداب والتعاليم وفقا للشريعة السمحاء، فنسبت إليه
مع أن وجودها قبل وجوده وما هو إلا حلقة من سلسلتها الشريفة المتصلة بسيد الخلق
محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، ونحن بهذا الكلام إنما نقصد منهج الطريقة المتمثل بالآداب والتعاليم
التي تتضمنه هذه الطريقة، نقصد منهج التصوف الصحيح المستمد من الكتاب والسنة، وقد بينا
هذا جلياً في نشأة علم التصوف.
وبالنسبة للطريقة القادرية فهي طريقة ذات سند متصل بسيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم وسنبين هذا السند لاحقاً إن شاء الله تعالى،
وعلى هذا فأصل منشأها من سيد البشر صلى
الله عليه وآله وسلم وامتدت وتواترت إلينا عبر الرجال
العظماء الذي حملوا هذه الأمانة الكبرى، فحملها إلينا سيدنا الإمام علي بن أبي
طالب كرم الله ووجهه، ومنه أخذ تلميذه الإمام الحسن البصري رضي الله عنه
، ومنه أخذ تلميذه الشيخ حبيب العجمي رضي الله عنه ، ومنه أخذ الإمام داؤود الطائي رضي الله عنه ، ومنه أخذ الإمام أسد الدين أبو محفوظ المعروف بالكرخي رضي الله
عنه ، ثم تخلف عنه الإمام العظيم الشيخ ضياء الدين السري السقطي رضي
الله عنه ، وأخذ عنه العهد والتربية والخرقة ابن أخته سيد الطائفة الجنيد
البغدادي قدس الله سره، وتخلف له في الخرقة والطريقة الشيخ أبو بكر بن خلف
الأصفهاني المعروف بالشبلي قدس الله سره، وتخلف عنه في ذلك الشيخ عبد الواحد بن
الشيخ عبد العزيز التميمي قدس الله سره، وعنه الشيخ أبي الفرج الطرطوسي قدس الله
سره، وعنه الشيخ علي بن محمد المعروف شيخ الإسلام الحكاري قدس الله سره، وعنه
الشيخ أبو سعيد المبارك المخزومي الحنبلي البغدادي قدس الله سره، وعنه شيخ الإسلام
محيي الدين الغوث الأعظم سلطان الأولياء العارفين الباز الأشهب السيد الشيخ عبد
القادر الحسني الحسيني الكيلاني رضي الله عنه .
وبعد أن وصلت السلسة الشريفة إلى حضرة الشيخ عبد القادر أخذت
طابعا مختلفاً عما كانت عليه، فبدأ رضي الله تعالى عنه بتأسيس منهج عظيم قائم على
أسس وقواعد عظيمة جعلتها تتميز عما كانت عليه، فوضع الأسس والقواعد والآداب، وأنشأ
المدرسة القادرية كما بينا في ترجمته، وألف الكتب والمراجع، وربط التصوف والطريقة
بالشريعة السمحاء وأحيا الأصول التي أماتها الناس، وسن الآداب التي تركوها.
ولما علا شانه وذاع صيته أهرع إليه أهل السلوك وأصحاب المقامات
وطلاب العلم الشريف وطلاب السلوك ليستقوا من هذا المنهج العظيم الذي لم يسبقه إليه
أحد من أقرانه، وعند ذلك نسب هذا المنهج لحضرة الشيخ فسمي المسجد باسمه، وسميت
المدرسة باسمه وسمي المنهج باسمه، ومن ذلك الوقت سميت الطريقة باسمه وصارت تعرف
بالطريقة القادرية والمقصود بها ذلك المنهج التربوي الذي وضعه وأسسه الشيخ عبد
القادر الجيلاني والمأخوذ عنه بالسند المتصل وبالإجازة الصحيحة المتواترة، وكل من
بس الخرقة على يده سمى طريقته باسمه (الطريقة القادرية) تبركاً وتيمناً بحضرة
القطب الشيخ عبد القادر الجيلاني رضي الله تعالى عنه.
يقول الشيخ أبو الحسن
الندوي في كتابه رجال الفكر والدعوة: أن الشيخ عبد القادر الجيلاني فتح باب البيعة والتوبة على
مصراعيه، يدخل فيه المسلمون من كل ناحية من نواحي العالم الإسلامي، يجددون العهد
والميثاق مع الله، ويعاهدون على ألا يشركوا، ولا يكفروا، ولا يفسقوا، ولا يبتدعوا،
ولا يظلموا، ولا يستحلوا ما حرم الله، وقد دخل في هذا الباب – وقد فتحه الله على يد الشيخ عبد القادر الجيلاني- خلق لا يحصيهم
غلا الله، وصلحت أحوالهم وحسن إسلامهم، وظل الشيخ يربيهم ويحاسبهم، ويشرف عليهم، وعلى
تقدمهم، فأصبح هؤلاء التلاميذ الروحيون يشعرون بالمسؤولية بعد البيعة والتوبة
وتجديد الإيمان.
وأشهر من أخذ عنه هذه الطريقة هم أولاده رضي الله عنه وأخض
بالذكر (( السيد عبد الوهاب – السيد عبد الرزاق
– السيد عبد العزيز)) وهؤلاء هم اشهر أولاده
الذين لبسوا الخرقة الصوفية عن والدهم ونشروها بين الناس وأخذ عنهم الكثير من
الناس، وكذلك لبس الخرقة من يده بعض تلاميذه وهم كثر أكثر من أن نذكرهم، وهكذا
أسست الطريقة القادرية بين الناس وانتشرت في أصقاع الأرض حتى لم يبقى بلد من
البلاد العربية والإسلامية إلا وانتشرت هذه الطريقة فيه وما هذا إلا لعظمتها وقوتها
وحسن تأسيسها رضي الله تعالى عن مؤسسها وأرضاه.
ثم بعد ذلك توسعت وزاد سالكوها، وكثر رجالها وأئمتها فتفرعت
؟إلى فروع كثيرة جداً، منتشرة وموجودة إلى هذا الزمان ومن اشهر فروعها:((
البريفكانية – البرزنجية – الكسنزانية – البوديشيشية
– الخليلية - الشيخية......))
أما بالنسبة لانتشارها في العالم فلا يخلو بلد من البلاد
العربية من فرع من فروع الطريقة القادرية، بل لا يكاد يخلو بلد إسلامي من وجود
لهذه الطريقة العظيمة فيه.
نقلاً عن كتاب
الدرر الجلية في أصول الطريقة القادرية العلية
للشيخ مخلف العلي الحذيفي القادري
حقوق النشر والطباعة محفوظة للمؤلف