الوفاء لأهل العطاء (2)
الكاتب: د. عمار ميرغني حسين محمد
مقال بعنوان:
الوفاء لأهل العطاء (2):
الشيخ مخلف بن يحيى العلي القادري
بقلم: د. عمار ميرغني حسين محمد
وزير الإرشاد والأوقاف الأسبق بالسودان
بسم الله الرحمن الرحيم
به الإعانة بدءاً وختماً، وصلى الله على سيدنا محمد ذاتاً ووصفاً واسماً،
قال تعالى:
(قُلۡ إِنَّمَا حَرَّمَ
رَبِّيَ ٱلۡفَوَٰحِشَ مَا ظَهَرَ مِنهَا وَمَا بَطَنَ) وقال صلى الله عليه وسلم
: ( ألا إن في الجسد لمضغة اذا صلحت صلح الجسد كله واذا فسدت فسد الجسد كله الا وهي
القلب .)، والفقهاء يحدثون الناس عما به صحة العبادة ظاهراً ويتناولون قضايا الصحة
والبطلان وتأسيس مسائل الفقه من أصوله المعلومة.
والعلماء الربانيين يتناولون أيضا ما به قبول العبادة وتنقية القلب من
أدران الرياء والسمعة ونحو ذلك ، فمن اللازم للسالك أن يجمع بين القضيتين ، صحة العبادة
من حيث معناها الظاهر وأهلية التوجه القلبي لتكون العبادة مكتملة المباني للقبول وتحصيل
الثواب وحصول الترقي .
نتابع عن كثب مقالات ودروس الشيخ مخلف بن يحيى العلي القادري ونتشرف بها
ونسعد لأنها نصائح في زمان الغفلات وأوان الانشغال بالملذات والشهوات.
لأنها تمثل امتدادا لمساعي الأوائل من العلماء في ارشاد السالكين وتذكير
الواصلين بطريق اهل الله الصالحين، وذوي العقول الراجحة و النفوس الزاكية يتقبلوها
ويعملوا بها وينتهجوها طريقاً آمنا محفوفا بالقيم السمحة والاعراف الأصيلة.
فجزاه الله عن هذه الجهود من خير ما يجازي به اهل العلم والإرشاد.
وقديما كان أئمة العلم العظام حينما
تستجد في واقع الناس نوازل ومستجدات أو يرون خللاً وانحرافاً في السلوك والاخلاق يؤلفون الرسائل ويصنفون
الكتب لمقابلة حاجة الوقت من الإرشاد والدلالة على رب العالمين.
ولذلك ما يقوم به فضيلة الشيخ هو أحياءٌ لسنن الأولين في إسعاف الأمة بمطلوبات
الإرشاد والوعظ والتنبيه على ما جد من اعوجاج وما ظهر من استبداد النفوس برأيها وهواها
حتى تستقيم على الجادة لله رب العالمين، ومن عرف نفسه فقد عرف ربه، نحن مخاطبون بتعهد
النفوس وتخليتها ومن ثم تحليتها، وقد ورد : ( اعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك ) .
ومن الطبيعي أن يتعرض بعض الجهلاء لحضرات المشائخ بالتنقيص والتحقير والاشانة
والاساءة وهذا من علامات نجاح هؤلاء الشيوخ، لأن هذه سنة الله في أحبابه، ما جاء أحد
بدعوته لرب العالمين إلا توجهت له سهام العدا وقصدته ألسنتهم واقلامهم .
وبعض هذا حصل لفضيلة مولانا الشيخ مخلف في الظن السيء بنشاطه العلمي المبارك وإنه يقصد به زيدا منهم، ولكن يا فضيلة الشيخ كل هذه قلائد تكريم وفضل على عنقك على عظمة تأثير ما تقوم به، ومعلوم أن الكلام الساقط الأجوف لا أحد يكترث له أو يعيره أدنى اهتمام، ومعلوم ان أئمة المسلمين من قديم حسدوا وانتقدوا وأسيء لهم ، بل ضربوا وطالتهم من هذا القبيل ابتلاء عظيمة، وبعض الائمة اتهموا بشتى أنواع التهم حسدا وظلما، ولم يسلم من هذه الاساءات حتى الائمة الأربعة الاعلام المتفق على امامتهم في الشريعة.
يقول الإمام الأعظم أبو حنيفة النعمان: (إن يحسدوني فإني غير لائمهم فغيري من الناس اهل الفضل قد حسدوا).
انا الذي يجدوني في صدورهم *ومات أكثرهم غيظا بما يجد
ويقول
:
حسدوا الفتى ولم ينالوا سعيه * والكل أعداء له وخصوم
كضرائر الحسناء قلنا لوجهها * حسدا وبغضا انه لدميم
إن العلماء مشاعل الدين وبهم هداية الناس لرب العالمين، وهم جديرون بكل
احترام وتقدير، بيد أن الابتلاء يحصل لهم رفعاً لدرجاتهم وزيادة في حسناتهم ومغفرة
لسيئاتهم. وكما ورد في الحديث الصحيح ( العلماء ورثة الانبياء)، وأخبر عليه السلام
أن الانبياء أشد الناس بلاء، قال صلى الله عليه وسلم: ( اشد الناس بلاء الانبياء فالأمثل
فالأمثل. ....) وعليه يمتحن المرء بقدر إيمانه.
إن الاجتهاد في ارشاد السالكين لرب العالمين خاصة أمر في غاية الأهمية
ومطلب نفيس حيث أن السير ليس نهايات، فما نزل السالكين مقاماً الا ورأوا بعد المسير
، وطول الاسفار، ( فما وقفت همة سالك الا ونادته هواتف الحقيقة ,, المقصود امامك،،،).
وقد ألف الشعراني كتاباً خاصاً
في حقيقته المقصود به ليس عامة المريدين، إنما مقصود به الشيوخ والمرشدين والمتصدرين
للمشيخة مع ضعف الأهلية وقلة العلم وهو كتابه ( تنبيه المغترين ) والذي اشتمل على نصائح
وارشادات للائمة والمتصدرين للمشيخة، و الف بن الوردي منظومة كاملة وتعرض لهذه القضايا
ويحض فيها على التقوى والعلم والآداب .مطلعها:
ليس من يقطع طرقا هو البطل = انما المتقي هو البطل .
وتجده يتحدث عن نبذ التلذذ بتقبيل اليدين محذرا من هذه الممارسات التي يستحليها البعض في
جزء من منظومته ( لقطع يدي احي الي من هذه القبل ) ...
وإن ما يقوم به فضيلة الشيخ مخلف كله قبس من أفكارهم النبيلة وفي هذه المجهودات
العلمية تبصير للناس وخاصة سالكي طريق القوم بمخاطر السلوك والتنبيه على عقباته ومفاوزه
حتى لا نقع فيها، إن مثل هذه الجهود ينبغي مقابلتها بالترحاب والتفاعل الايجابي معها
وبذل الجهد للاقتداء بما فيها ومناصرة فحاويها ونشرها وتداولها والتمثل بما فيها .فقد
قال الحبيب الاعظم صلى الله عليه وسلم تسليما كثيراً: ( انصر أخاك ظالما أو مظلوماً).
إن الوقت قد تصرم والزمان قد تغير، فأن يكون هناك نفر وبقية باقية من هذا
النمط من العلماء ، فالواجب يحتم اخذ ما عندهم والانتفاع به والتبرك بنشره وخدمته
.
وإن الطريق مبني على قيم الإسلام النبيلة ومثله الكريمة وجاء التصوف لإحياء
هذه الخلال ومحاربة ما يعترض السالك من عوارض الدنيا وخلجات النفس وادوائها وما يقوم
فضيلة الشيخ هو ضرب من هذا .
يقول سيدي ابي الحسن الشاذلي: (من لم يتغلغل في علومنا هذه مات مصرا على
الكبائر ) .
و يقول الغزالي : ( ثلاثة علوم يجب تحصيلها : علم التوحيد لتصحيح العقيدة،
علم الفقه لتصحيح العبادة والمعاملة .و علم السر
.او التزكية او الإرشاد لتنقية القلوب وإصلاح النفوس .
وفي الختام: نقول للشيخ الجليل
جزاكم الله رب الناس خير الجزاء ووفقكم ونفع بكم ونفعنا بأسانيدكم المباركة، ولا ترعوي
لمتنقص ولا تكترث لمتجاهل معرض ولا تعبأ لحديث المغرضين ودع سفينة السير الى الله تعالى
تمخر في عباب بحر المعارف وافيدونا بجواهرها ونفائس دررها.
ولا تعتزلوا وتدخلون الخلوات فالوقت صالح لجهاد الكلمة وهو أولى للقيام
بواجبات النصيحة والتعليم والإرشاد على طريق الحبيب الاعظم صلى الله عليه وسلم تسليما
كثيرا ونهج السلف الاولين من العلماء الافذاذ والفقهاء الايقاظ والعارفين العظام. فلئن
اختلى مثلكم وهجر المجتمع وترك الناس يكن خسران كبير ، ونرجو بحق الطريق دعواتكم الصالحات.
بقلم: د. عمار ميرغني حسين محمد
وزير الإرشاد والأوقاف الأسبق بالسودان
المقال السابق | المقالات المتشابهة | المقال التالي الوفاء لأهل العطاء |
جميع الحقوق محفوظة للطريقة القادرية العلية